منذ بدء الحرب على غزة في 7 أكتوبر / تشرين الأول الماضي أغلقت إسرائيل المعابر ومنعت دخول 190ألف عامل فلسطيني للعمل لديها ، بالتالي القرار الإسرائيلي الذي اتخذته الكابينت ( مجلس الحكومة ) الإسرائيلي الاقتصادي والاجتماعي ونشرته صحيفة " تايمز أوف إسرائيل " قبل يومين يأتي ضمن عملية الموازنة الإسرائيلية بين الاحتياجات الاقتصادية والاعتبارات الأمنية ، ويأتي بعد السماح لعدة الآف من العمال الفلسطينيين باستئناف العمل في المنشآت الصناعية المملوكة لإفراد إسرائيليين في الضفة الغربية.
  هذه العودة مشروطة بإجراءات محددة منها: أن لا يقل عمر العامل عن 40 عاما ، وان يكون متزوجا ولديه أولاد ،وأن تقوم المنشآت بنقلهم بمركبات خاصة وليس عبر المواصلات العامة ، ووضع قيود امنية وحراسة على أماكن العمل ، حيث يتوقع عودة ما بين 8000 إلى 10000عامل فلسطيني من  الضفة الغربية إلى اعمالهم في المستوطنات والشركات الإسرائيلية في الضفة الغربية لأول مرة منذ أحداث  7أكتوبر /تشرين الأول ، مع إبقاء حضر دخول عمال الضفة إلى إسرائيل بالمطلق ، ما هي أسباب هذا القرار، وما هي انعكاساته على الاقتصاد الإسرائيلي والفلسطيني  ؟ 
الاقتصاد الإسرائيلي
- يعاني الاقتصاد الإسرائيلي  من مشاكل كبيرة منذ بدء الحرب على غزة ، ومن أهم اسباب الموافقة الإسرائيلية  على عودة العمال الفلسطينيين  جزئيا  للعمل :
- حاجة سوق العمل الإسرائيلي للعمالة الفلسطينية ، حيث أشار مجلس الأمن القومي الإسرائيلي إلى ان هناك حاجة ملحة ل 28ألف عامل ، 9500 منهم لقطاع الزراعة .
- التخفيف من حجم البطالة بالضفة الغربية  لأن ارتفاعها سوف يزيد من التدهور الأمني .
- تباطؤ الاقتصاد الإسرائيلي حيث انه وحسب التقارير الرسمية والدولية يتجه نحو الركود والتوقعات بالنسبة للنمو لا تزيد عن 2% للعام الحالي والقادم.
- احتياجات السوق الاسرائيلي إلى 130الف عامل للعمل، وخصوصا في قطاع البناء والزراعة. 
- يعكس القرار صراعا داخل المجلس الإسرائيلي بين الأمن والاقتصاد .
-  عدم  نجاح المحاولات السابقة لجلب عمالة اجنبية ، لأنهم بحاجة للتدريب واكتساب المهارات اللازمة والتي يمتلكها العامل الفلسطيني .
-   تم  استدعاء 360الف موظف  كجنود احتياط ، يشكلون 8% من اجمالي القوى العاملة ، بالتالي اذا تم اضافة ما  يتعلق بالعاملين الذين  تم اجلائهم من محيط غزة والماكثين في المنازل فان 768 الف يمثلوا خمس القوى العاملة هم حاليا خارج العمل ، ومما زاد من صعوبة الموقف منع  ما يزيد عن 140 الف عامل من  الضفة الغربية و 18 الف من قطاع غزة  للعمل في إسرائيل .
-  تضرر قطاع الزراعة  بشكل كبير حيث ان مستوطنات غلاف غزة هي سلة الغذاء لإسرائيل حيث تضم 75% من  احتياجات إسرائيل  من الخضروات ،و 20% من الفواكه ،6.5% من الحليب ،  وتضم ايضا عدد كبير من  مزارع الدواجن والماشية والاسماك  التي  تضررت بدرجة كبيرة نتيجة الحرب.
-   هروب العمالة الأجنبية وخصوصا التايلاندية من إسرائيل( رحل أكثر من 10ألاف عامل اغلبهم من تايلاند منذ بدء الحرب ) ، وبشكل  محدد العاملين في مستوطنات غلاف غزة ، مما  الحق الضرر بالقطاع الزراعي. 
-    تعاني إسرائيل  من السمعة السيئة فيما يتعلق بظروف العمل للعمالة الاجنبية ، حيث  أظهرت إحدى  تقارير منظمة هيومن رايتس ووتش  أن العمالة الأجنبية في إسرائيل وخصوصا  في قطاع  الزراعة يعملون لساعات طويلة ، ويحصلون على اجور متدنية والقليل من الرعاية الصحية. 
الاقتصاد الفلسطيني 
 إن الاقتصاد الفلسطيني هو اقتصاداً خدماتيا ، حيث ان مساهمته في الناتج المحلي 36.9%،اما النشاط الصناعي ، وهو دعامة اساسية من دعائم التنمية الاقتصادية لأي دولة ، من حيث  توفير جزء من السلع  التي يتم استخدامها  في العمليات الانتاجية ، وتوفير سلع الاستهلاك النهائي ، بالإضافة إلى مساهمته في الصادرات الفلسطينية ،فقد بلغت  مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي 12%، ويمثل النشاط الزرعي نشاطا مهما للاقتصاد الفلسطيني فهو يساهم في توفير السلع والمواد الاولية التي تستخدم كمدخلات في العديد من الصناعات التحويلية ، بالإضافة إلى كونه مصدر مهما للصادرات الفلسطينية ، ويعتمد النشاط الزراعي بشكل رئيس على الامطار ، واعتماد محدود على الاساليب الزراعية الحديثة ،  ويساهم في الناتج المحلي بنسبة 6%، اما قطاع الانشاءات فقد كانت مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي 4.5%.
    أما معدل البطالة في عام 2022  فقد بلغ بالمتوسط  25.5%(45.3% في قطاع غزة و 14% في الضفة )، والتضخم 3.74%، ومتوسط نصيب ألفرد من الناتج المحلي 3.1ألف دولار ، والناتج المحلي 15.6مليار دولار.
   وقد كشف تقرير لمنظمة العمل الدولية في بداية شهر ديسمبر /كانون الاول ان الحرب على غزة كان لها آثار كارثية على سوق العمل  إذ فقد 61% من العمال في قطاع غزة ، و24% من العمال في الضفة الغربية وظائفهم ، اضافة إلى تضرر البينة التحتية ، والنزوح الكبير في ظل نقص الماء والطعام ، بالتالي  حدوث شلل في النشاط الاقتصادي .
    وحسب التقرير فانه لغاية 31 اكتوبر /تشرين الأول الماضي فقد ما لا يقل عن 182ألف شخص في قطاع غزة اعمالهم منهم 20 ألف شخص كانوا يعملوا في إسرائيل ، في حين فقد 208 ألف في الضفة الغربية وظائفهم  ،ووفقا للتقديرات فأن 5% فقط من عمال الضفة حافظوا على وظائفهم في إسرائيل  ، وفقدان هذه الوظائف يترتب خسارة في دخل العمل اليومي للفلسطينيين  تقدر ب16مليون دولار يومي .
   وقد أشار التقرير إلى أن 51% من سكان غزة يعملون في قطاع الخدمات (التجارة والمطاعم والفنادق تشكل 23% من سوق العمل) ،ومتوسط الأجر الشهري  في غزة هو 193دولار بينما في الضفة 373 دولار، وتقدر الخسائر الشهرية المترتبة على المنع بحدود 340 مليون دولار شهريا .
   وقد توقع مدير الإحصاءات الاقتصادية في الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن تصل الخسائر الاقتصادية للقطاع الخاص في القطاع إلى أكثر من مليار دولار خلال الشهر الثاني ، مقابل تقديرات سابقة بحدود 700 مليون دولار في الشهر السابق ، وأشار ايضا  ان خسائر البنية التحتية والمنشآت تزيد عن 3 مليارات دولار ، كما أن 50% من الوحدات السكنية والمباني تم تدميرها بالكامل ( بحدود 200 ألف وحدة ) وإلى أن 147 ألف عامل توقفوا عن العمل ،وكذلك  توقف 56 ألف منشأة ، بالتالي ارتفاع البطالة إلى 70% حاليا ، مقارنة مع 45% قبل 7 أكتوبر ، ونسبة الفقر إلى 90%، والتضخم بلغ 12%، وأشار إلى ان معدل البطالة في الضفة الغربية بلغ 33%.
ويعتمد تحسن الوضع الاقتصادي في قطاع غزة والضفة الغربية على توقف الحرب بشكل كامل ومدى قدرة المجتمع الدولي على اعادة بناء ما دمرته الحرب .