لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي اليوم مجرد منصّات للتعبير عن الرأي أو تبادل الأخبار، بل غدت ميدانًا مؤثرًا في تشكيل الرأي العام، وتوجيه المزاج المجتمعي، بل وأحيانًا في تهديد التماسك الوطني إن أُسيء استخدامها أو تُركت دون وعي وضبط ذاتي.
إننا في الأردن، إذ نعتز بهامش الحريات الذي كفله الدستور وصانته الدولة، ندرك في الوقت نفسه أن لكل حرية مسؤولية، ولكل نقد حدودًا، إذ إن تجاوز النقد إلى الغمز واللمز، وإطلاق التهم جزافًا، وتوسيع دائرة الاتهام بلا دليل، ليس من حرية التعبير في شيء، بل هو ضرب من العبث الذي يهدد استقرار المجتمع، ويغذي الشك، ويزرع البلبلة، ويُنهك الثقة بين المواطن ومؤسساته.
لقد آن الأوان أن يقف أبناء الوطن وقفة صدق مع أنفسهم، يتأملوا في ما تفرزه ألسنتهم وأصابعهم عبر هذه المنصّات. لا عيب في النقد البناء، بل هو ضرورة للتطوير، ولكن حين يتحول النقد إلى جلد للذات، وتشويه للواقع، ونفخ في نار الإشاعة، فإنه يصبح معول هدم لا أداة بناء.
وإذ نواجه هذا التحدي، فقد كان من الحكمة والحنكة أن تقوم الدولة الأردنية، عبر أجهزتها المختصة، بإيقاف عدد من الحسابات التي ثبت أنها تثير الفتنة وتحرّض على الفوضى، لا من باب تكميم الأفواه، بل من باب حماية السلم الأهلي، والحفاظ على نسيجنا الوطني المتماسك.
فدور الدولة لا يقتصر على حماية الحدود فحسب، بل يمتد ليشمل حماية العقول والقلوب من كل خطاب مسموم. وإننا، كأردنيين من شتى المنابت والأصول، مدعوون اليوم أكثر من أي وقت مضى، لأن نقف صفًا واحدًا خلف مؤسساتنا، وأن نعزز هيبة دولتنا، ونكرّم جهود أجهزتنا الأمنية والاستخبارية، وعلى رأسها دائرة المخابرات العامة، ونُشيد بوعيها ودورها الريادي في صون أمن البلاد.
كما نُجدّد ثقتنا بقضائنا العادل النزيه، ونجدد بيعتنا وولاءنا لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، سائلين الله أن يحفظه ويسدد خطاه في كل ما يصدر عنه لحماية الأردن، وصون استقلاله، والدفاع عن منجزاته.
إن أمن الأردن ليس فقط في صون حدوده، بل في حماية نسيجه، وتعزيز ثقته الداخلية، والوقوف صفًا واحدًا في مواجهة كل من يتربص به شرًّا. وما أحوجنا اليوم إلى خطاب مسؤول، يعلي من شأن الوطن، يفرّق بين النصح والتشهير، ويضع نصب عينيه أن الكلمة قد تكون طلقة، إما في صدر العدو أو في قلب الوطن. فلنكف عن التهويل، ولنحذر من التهوين، ولنتذكر دومًا أن "الزائد عن حده ينقلب ضده".
فليكن هذا الوطن أغلى ما نملك، ولتكن الكلمة الصادقة حصنًا له لا خنجرًافيخاصرته.