اليوم، أكتب مقالي بعيدًا عن السياسة والقانون، وبعيدًا عن التحليلات والمواقف. اليوم، السلط هي العنوان والمحتوى. وما سأكتبه عنها ليس بدافع الانتماء، فأنا لست من السلط، ولا أعرف شخصيًا أحدًا من مجلس محافظة البلقاء أو من بلدية السلط. لكنني زرتها، وتأثرت، وأحببت أن أشارك هذا الانطباع.
قبل أيام، استقبلت ضيوفًا من إحدى الدول الأوروبية، وحرصت كأي أردني أن أريهم جمال بلادنا، تنوعها، وتاريخها. تنقلنا بين المحافظات والمدن، كل منها يحمل بصمته وخصوصيته، لكن كان هنالك مدينة قد شدّت الانتباه أكثر من غيرها: السلط.
السلط لم تكن مجرد محطة في رحلتنا، بل كانت تجربة استثنائية. فور دخولنا، بدأنا نلاحظ الفرق. المباني التراثية التي تحكي قصص مئات السنين، الأزقة التي تختزن عبق الماضي، والمشهد العام الذي يُشعرك وكأنك دخلت إلى لوحة مرسومة بعناية.
لكن ما جعل التجربة أكثر عمقًا كان الناس. تعامل أهل السلط مع الضيوف الأجانب لم يكن مجرد "حسن استقبال"، بل كان سلوكًا أصيلًا متجذرًا في ثقافتهم. كانوا يُرحبون، يُرشدون، يَبتسمون، ويُبدون اهتمامًا حقيقيًا بالزوّار. هذه التفاصيل الصغيرة، بالنسبة لضيوفي، كانت دليلًا واضحًا على طيبة الأردنيين، وعمق القيم التي نحملها كمجتمع.
أما بلدية السلط، فلها كل التقدير. مشاريعها، نظافة المدينة، تنظيمها، والاهتمام بالتفاصيل، كل ذلك كان لافتًا للنظر. شوارع نظيفة، لافتات واضحة، الأرصفة المُعتنى بها، مساحات عامة مُصانة، أجواء تُشعرك بالأمان والراحة، واهتمام واضح بالبيئة والسياحة. ضيوفي تحدثوا كثيرًا عن هذا، وأنا معهم، أعجبتُ كثيرًا بما رأيت.
وفي لحظة تأمل، تذكّرت بيتًا للشاعر حيدر محمود حين قال:
"أهيمُ بوجهِكِ ما بينَ أهلي، كأنّكِ عنديَ بعضُ الوطنْ."
وقد كان محقًا، فالسلط ليست فقط مكانًا، بل شعورًا عميقًا بالدفء والانتماء.
السلط، كغيرها من محافظات الأردن، تحمل تاريخًا طويلًا وثريًا، لكن حاضرها هو ما يدعو للفخر اليوم. مدينة نجحت أن تربط بين الماضي والحاضر، أن تحافظ على هويتها، وأن تُظهر أجمل ما فينا كأردنيين.
لهذا، أكتب عنها اليوم. من باب الشكر، ومن باب الإعجاب، ومن باب الدعوة لكل من لم يزرها بعد: اذهبوا إلى السلط، فهي ليست فقط مدينة على خارطة الأردن، بل قصة تُروى، وذاكرة تُحيا، وتجربة لن تُنسى.