أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مستثمرون جامعات مغاربيات خليجيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

العتوم يقرأ: أزمة العلاقة بين الحكومة وجبهة العمل الإسلامي.. المشهد وتداعياته

مدار الساعة,أخبار الأردن,اخبار الاردن,مجلس النواب,حزب جبهة العمل الإسلامي
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة - كتب: النائب السابق المحامي زيد أحمد العتوم - تشهد الساحة الأردنية في الآونة الأخيرة أحداثاً أثارت جدلاً واسعاً، لا سيما عقب الإعلان عن تفكيك خلية إرهابية نسب بعض أعضائها - وفقا للاعترافات التي تم تداولها إعلاميا - إلى حزب جبهة العمل الإسلامي. وقد رافق هذه الواقعة حملة إعلامية واسعة هدفت إلى إبراز تفاصيل القضية وتقديمها بما يعزز موقف الحكومة ويبرز كفاءة أجهزتها الأمنية.

تفاعل المواطن الأردني مع هذه الحملة جاء متباينا، إذ سادت مشاعر الانزعاج والقلق لدى شريحة واسعة من الناس، وبرزت تساؤلات مشروعة حول مدى علم الجبهة بما أُعلن من تصرفات، أو ما إذا كانت الجبهة تغامر بخياراتها التنظيمية من خلال استقطاب عناصر قد تتبنى سلوكا متطرفا يهدد الأمن والاستقرار. وفي الحالتين، فإن حجم الخطورة يستدعي موقفا سياسيا وأخلاقيا حازما.
ردة فعل الجبهة، وإن تضمنت نفيا للعلم بهذه الأفعال واعتبارها تصرفات فردية، إلا أنها لم ترق إلى مستوى الحزم المطلوب، بل جاء خطابها ضبابيا وقابلا للتأويل، وهو ما لا ينسجم مع حساسية الموضوع المتعلق بالأمن الوطني، الذي يفترض أن يكون محل إجماع ووضوح لا يحتمل اللبس.
في المقابل، جاءت ردة فعل الحكومة وما تبعها من خطابات ومواقف نيابية مفرطة في الانفعال، إذ توسع الخطاب الرسمي والإعلامي ليشمل موضوعات مثل الولاء والانتماء، وازدواجية الولاءات، و”شتى الأصول والمنابت”، والولاء للقيادة الهاشمية. وبدلا من التركيز على جوهر القضية الأمنية. فقد ساد شعور عام بأنه قد تم استخدام الحادثة لتصفية حسابات سياسية، في سياق حملة بدت موجهة نحو إضعاف جبهة العمل الإسلامي، وهو ما أثار انزعاجا لدى المواطنين الذين لاحظوا وجود تضخيم إعلامي للواقعة، وتوظيفا سياسيا قد يضر بصورة الأردن في الخارج من حيث تأثير ذلك على النظرة للأردن كدولة مستقرة، ويعمق كذلك أزمة الثقة في الداخل من حيث الاستثمار السياسي الجائر للمواقف.
ويضاف إلى ذلك ما جرى في مجلس النواب، حيث برزت مواقف وتصريحات حملت مغالاة في الولاء، وخرج بعضها عن السياق السياسي السليم، إلى حد اعتبار محبة الملك مقياسا للإيمان، وفرض مظاهر الولاء القسري بقيام رئيس المجلس بأمر النواب بالوقف للملك. مثل تلك التصرفات تفقد المؤسسة التشريعية ما تبقى لها من ثقة، وتدفع بالرأي العام نحو مزيد من التوجس من أدوات النظام السياسي برمته.
الإشكالية الجوهرية في المشهد الأردني تكمن في غياب التوازن. لدينا حكومات متعاقبة عملت وتعمل وأنجزت الكثير، لكنها لا تملك أدوات إقناع المواطن، ولدينا معارضة إسلامية تُطرح كممثل شعبي رغم افتقارها إلى مشروع وطني عملي واضح، في ظل غياب قوى سياسية أخرى فاعلة وقادرة على تشكيل بديل موضوعي ومقنع. كما أن مشروع التحديث السياسي لا يزال يُدار على هامش الأولويات، بينما تعاني الأحزاب الجديدة من الضعف نتيجة تقويض مساحاتها وفرص تطورها وتحديد دورها.
ختاما، فإن إدارة هذا الملف حتى الآن تعكس قصورا واضحا في القراءة السياسية العميقة، وانفصالا عن المزاج العام. ولا يمكن معالجة الأزمة بمواقف شكلية أو خطاب سلطوي، بل بطرح عقلاني وطني يوازن بين حماية الأمن وضمان الحريات، وبين ضرورة استعادة الثقة بين الدولة والمجتمع. فالمشهد يتطلب حنكة سياسية لا لغة قمعية، وإصلاحا حقيقيا لا توظيفا ظرفيا للأحداث. إن الأحداث الحالية تتطلب إعادة مشروع التحديث السياسي على سلم الأولويات. فهذا اكبر استثمار يمكن للدولة أن تقوم به في هذه الظروف الصعبة.


مدار الساعة ـ