مدار الساعة - كتبت: د. المهندسة دانية العيساوي بالشراكة مع: أ.د. محمد الفرجات -
ارتفاع الحرارة 2.2–3 درجات سيقصر الموسم السياحي ويقلل أعداد الزوار.
السياح الأجانب قد ينخفضون من 5.3 إلى أقل من 4 ملايين بسبب الإجهاد الحراري.
مساهمة السياحة بالناتج المحلي قد تهبط من 13% إلى 8–9% دون خطط تكيف فعالة.
أكثر من 15 ألف وظيفة مهددة بسبب تراجع الموسم السياحي وعدم جاهزية البنية.
أكثر من 70 يومًا فوق 40 مئوية ستجعل صيف البترا غير جذاب للسياح.
تآكل الصخور النبطية بفعل المناخ يهدد بفقدان تراث لا يُعوض.
عوائد البترا السياحية قد تنخفض من 102 إلى أقل من 70 مليون دينار دون تدخل سريع.
ضمن أبحاثنا المشتركة، وبدعم نماذجنا الرقمية الذكية لتقييم آثار التغير المناخي المكانية على المدن، قمنا بمعايرة نموذجنا على وادي موسى والبترا، مما أتاح لنا التنبؤ بالتحديات المناخية والبيئية التي قد تؤثر على السياحة مستقبلاً.
ويمتد هذا التقييم ليشمل السياحة الأردنية على نطاق أوسع، والتي تواجه بدورها تأثيرات الاحترار العالمي، مما يتطلب تخطيطًا استباقيًا وتوظيف حلول ذكية ومستدامة تضمن بقاء الأردن وجهة سياحية جذابة وآمنة حتى عام 2050.
أولًا: توقعات تغير المناخ حتى عام 2050
جنوب الأردن (البترا ووادي موسى):
من المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة في المنطقة بمقدار يتراوح ما بين 2.5 إلى 3.5 درجات مئوية، مع تسجيل أكثر من 70 يومًا سنويًا بدرجات حرارة تفوق 40 درجة مئوية. كما ستتراجع كميات الأمطار بنسبة تتراوح بين 15% إلى 20%، مع امتداد فترات الجفاف وازدياد خطر التصحر والعواصف الرملية. هذه الظروف ستؤثر سلبًا على الراحة الحرارية للزوار، وتُسهم في تآكل الصخور الأثرية، مما يُهدد استدامة الإرث الثقافي ويؤدي إلى انخفاض أعداد السياح خلال فصل الصيف.
على مستوى الأردن عمومًا:
يرجح ارتفاع متوسط درجات الحرارة بمقدار يتراوح بين 2.2 إلى 3.0 درجات مئوية، مع تقلص الموسم السياحي الصيفي وازدياد الإقبال على السياحة الشتوية والربيعية. كذلك، قد نشهد تزايدًا في وتيرة الكوارث المناخية مثل الفيضانات المفاجئة وموجات الحر والجفاف، مما يستدعي تغييرات جذرية في التخطيط السياحي.
ثانيًا: الآثار على السياحة في الأردن
تشير التوقعات إلى أن المواقع السياحية الأثرية والطبيعية مثل البحر الميت والبترا وجرش وأم قيس ستشهد تراجعًا في جاذبيتها في أشهر الصيف، نتيجة التآكل الحراري والتغيرات المناخية. ومن المتوقع انخفاض أعداد الزوار بنسبة تصل إلى 30–40% خلال ذروة الصيف إذا لم يتم اتخاذ إجراءات وقائية.
أما في مجال السياحة العلاجية، خصوصًا في مناطق الينابيع والبحر الميت، فهناك احتمال لتغير التركيب الكيميائي للمياه، إلا أن الأردن قد يستفيد من اعتدال طقسه الشتوي مقارنة بدول أخرى، ما يوفر فرصة للترويج السياحي خارج موسم الصيف التقليدي.
وفيما يخص السياحة البيئية والمغامرات، فإن المرتفعات الشمالية كعجلون والسلط قد تشهد إقبالًا متزايدًا، ما يستدعي تطوير البنية التحتية السياحية هناك، مع الأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على النظم البيئية.
ثالثًا: مؤشرات مستقبلية للسياحة في الأردن حتى عام 2050
في حال عدم التدخل واتخاذ خطوات استباقية، فإن عدد السياح الأجانب المتوقع بحلول عام 2050 قد ينخفض من 5.3 مليون سائح حاليًا إلى نحو 3.8 مليون فقط. أما إذا تم اعتماد استراتيجيات تكيف ذكية ومستدامة، فإن العدد قد يرتفع ليصل إلى ما بين 8 إلى 9 ملايين سائح سنويًا.
مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي قد تنخفض من 13% إلى 8–9% في حالة الركود، بينما قد ترتفع إلى 17% في حال الاستثمار الذكي والمستدام. كذلك، من المتوقع أن تتراجع فرص العمل في القطاع السياحي من 55 ألف فرصة إلى 40 ألف فرصة إذا استمر الوضع كما هو، أو قد تقفز إلى 90 ألف وظيفة في ظل النهج المستدام.
أما بالنسبة لعوائد السياحة في البترا، والتي تبلغ حاليًا نحو 102 مليون دينار، فقد تتراجع إلى ما بين 60–70 مليون دينار، أو ترتفع إلى أكثر من 150 مليون دينار إذا تم استغلال الإمكانات بشكل فعال.
رابعًا: استراتيجيات مقترحة للتكيف والتوسع
أ. في البترا:
تعديل مواسم السياحة لتكون الذروة خلال الربيع والخريف، وإنشاء مسارات مظللة ومبرّدة تعمل بالطاقة الشمسية. يمكن أيضًا إنشاء مراكز زوار مكيّفة طبيعيًا ومحاكية للطراز النبطي القديم. كما يجب تبني تقنيات الحفاظ على الصخور من التآكل باستخدام النانو والمواد الجيولوجية المثبتة.
ب. على مستوى المملكة:
يجب تنويع المنتج السياحي واستحداث وجهات جديدة في المحافظات الشمالية والجنوبية مثل الطفيلة وعجلون والبلقاء، إلى جانب الترويج للسياحة الشتوية باعتبار أن مناخ الأردن أكثر اعتدالًا من مثيلاته في أوروبا وآسيا.
ج. الحلول الرقمية:
يمكن استخدام تطبيقات رقمية ذكية لتنبيه السياح حول الطقس الحار وتوجيههم إلى المناطق الأنسب. كذلك، يمكن إنشاء منصات ترويجية تفاعلية تبرز المواسم المثالية للزيارة، وتطوير تقنيات السياحة الافتراضية للمواقع الأكثر عرضة لتأثير المناخ.
د. البنية التحتية والخدمات:
يجب توظيف تقنيات حصاد المياه التقليدية وتحلية المياه لدعم النشاط السياحي، إلى جانب إنشاء فنادق ومراكز زوار مستدامة ومنخفضة الانبعاثات. ويُنصح بوجود مراكز إسعاف متنقلة مزودة بأنظمة تبريد في المواقع السياحية المكشوفة.
خامسًا: التوصيات العملية
إعداد خطة وطنية للتكيف المناخي في السياحة بالتعاون بين القطاعين العام والخاص.
إنشاء مرصد وطني للمناخ والسياحة لتوفير بيانات آنية ومحدثة.
تطوير منصات تمويلية خضراء لدعم المبادرات المستدامة.
تشجيع الجامعات الأردنية على إجراء دراسات تحليلية وتطبيقية لدعم القرار.
تمكين المجتمعات المحلية والبلديات من الإسهام في تخطيط السياحة المناخية وتنفيذها.
وبالنهاية، فرغم التحديات الجسيمة التي يفرضها الاحترار العالمي على قطاع السياحة في الأردن والبترا، فإن الفرصة لا تزال قائمة أمام المملكة للتحول إلى نموذج ريادي للسياحة الذكية والمستدامة في الشرق الأوسط. ويتطلب ذلك قيادة حازمة، استثمارات مبتكرة، وتكاملًا بين العلم والمجتمعوالمستثمرين.