أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات جامعات مغاربيات خليجيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

الخوالدة يكتب: نحو مقاربة عربية لمواجهة خطاب الصفقة


د. زيد احسان الخوالدة

الخوالدة يكتب: نحو مقاربة عربية لمواجهة خطاب الصفقة

مدار الساعة ـ
إن الشخصية القيادية لا تنفصل عن جذورها وتكوينها المهني. وهذا ما تجلّى بوضوح في تجربة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي حمل خلفيته الاقتصادية والتجارية إلى دهاليز السياسة، محاولًا إدارتها بعقلية "الصفقة" لا بمنطق الدولة. لقد كانت رؤيته للعلاقات الدولية، وللداخل الأمريكي، محكومة بمنطق الربح والخسارة، وهو ما جعله يعيد تشكيل المشهد وفق موازين جديدة، بعضها صادم، وبعضها كاشف لخلل عميق في فهم الدور القيادي.
هذه التجربة، وغيرها، تدفعنا للتفكير بعمق في كيفية تحصين الذات، لا عبر ردود الأفعال فقط، بل ببناء مناعة استراتيجية اقتصادية وسياسية طويلة الأمد، تقوم على قراءة الواقع ومتغيراته، لا على مجاراته فقط. ومن هنا، فإن أولى أولوياتنا تكمن في إعادة تشكيل نمط الاقتصاد المحلي، خاصة في القطاعات التنموية والخدمية، بما يجعله أكثر استقلالية وابتكارًا، وأقل اعتمادًا على الخارج.
ولعل أبسط مثال يوضّح مدى تشابك الاقتصاد والسياسة والتكنولوجيا، هو قرار شراء جهاز ذكي؛ إذ يجد الفرد نفسه في حيرة أمام تعدد الخيارات والمواصفات: بطارية، شاشة، صوت، أداء. كل مكون من هذه المكونات يدخل في معادلة السعر، ويستهدف شريحة معينة، ويعكس طبيعة سوق يتنافس على ما يمكن تسميته اليوم بـ"الذهب التكنولوجي" – المواد الخام النادرة التي تحولت بفضل الابتكار إلى مصادر نفوذ ونفوذ مضاد، في حروب غير تقليدية.
وفي هذا السياق المتشابك، تبرز أهمية بناء شراكات عربية ذكية، ترتكز على مكامن القوة المحلية. فلدينا في المنطقة فرص واعدة في قطاعات حيوية كالسياحة، والنقل، والصناعات التحويلية، والخدمات الطبية. فعلى سبيل المثال، يعتبر العلاج في الأردن من حيث الجودة والتكلفة منافسًا قويًا، لكنه لا يحظى أحيانًا بالصورة الترويجية الكافية، مقارنة بتجربة تركيا التي تجذب السائح العربي عبر واجهة مغرية تتمثل في رخص السفر، وسهولة الإقامة، وكفاءة التسويق.
وهذا يحتم علينا ليس فقط تطوير الخدمة، بل الترويج لها بطريقة تلامس وعي المستهلك وتفكيره. فالمنتج الجيد لا يكفي، ما لم يُقدَّم في قالب جاذب ومفهوم. ومن هنا تأتي الحاجة لخطاب اقتصادي عربي جديد، يُبرز نقاط القوة، ويوظف الإمكانات، ويعيد رسم صورة المنطقة كفاعل منتج ومبدع، لا كمستهلك ومتلقٍ فقط.
إن المرحلة تفرض تكاملًا عربيًا حقيقيًا يرتقي إلى مستوى التحديات ويعيد للمنطقة دورها كمركز تفاعل لا كمساحة استهلاك. لا سبيل لتحقيق الاستقرار في المنطقة دون وجود عمل عربي مشترك مؤسسي يعتمد على التنسيق والتعاون الفعّال بين الدول العربية. هذا التعاون يجب أن يتجاوز المعمول به ويشمل مجالات الاقتصاد، الأمن، الثقافة، والتنمية المستدامة، ليكون أساسًا لتحقيق توازن إقليمي يحفظ مصالح الشعوب العربية ويعزز قدرتها على مواجهة التحديات الخارجية.
اللهم أحفظ أوطاننا وسدد إلى طريق الخير ولاة أمورنا
مدار الساعة ـ
story