ابدع غيري من أعلام الكتابة والتحليل والساسة في توصيف ما طرحه دولة الدكتور عبدالرؤوف الروابدة حول السردية الاردنية في محاضرته بمنتدى الحموري الثقافي والتي شكلت مادة خصبة للتفاعل في يقيني يجب ان تبقى مادة حية ولا تنتهي بانتهاء المناسبة والحدث بل تشكل استدارة متواصلة ومتأصلة في قراءة السردية الاردنية في اطار المشهد الاقليمي الذي اعتراها اللغط والخطأ والتشويه قصدا من البعض او خلافا لذلك.
وفي حضرة المشهد الوطني بذلت قصارى جهدي في محاولة لمجاراة غيري من فحول الكتابة لعلي اعبر عن ما اختلج في صدري وجداني وقبل ذلك ما سقط في عقلي تاثرا بابداعية واستثنائية الطرح والتوصيف الذي قدمه الروابدة بلغة العقل والمنطق والحجة والشواهد والادلة.
وفي هذه الندوة النوعية كان الحضور على موعد مع خطاب استثنائي لدولة عبدالرؤوف الروابدة، أحد أبرز العقول السياسية الأردنية التي راكمت تجربة فريدة في الإدارة والبرلمان والعمل الفكري. حديثه لم يكن استعراضًا للذاكرة، بل بناءً هادئًا لرؤية نقدية حول السياسة الأردنية والهوية الوطنية والسردية التي نروي بها حكايتنا كأردنيين.
بفهم العارف لا بشعارات السياسي، تناول الروابدة موقع الأردن في الإقليم، مذكرًا بأن الدولة الأردنية لم تكن يومًا تابعة، بل شكلت بوعيها السياسي خط دفاع متقدم عن القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. لم يُغفل تحديات الداخل، بل أشار إلى أن استقرار الدولة اعتمد دائمًا على شرعيتها الأخلاقية والوطنية، لا على البطش أو القمع.
بلهجة المفكر الذي يُدرك تعقيدات الاجتماع السياسي، أوضح الروابدة أن الهوية الوطنية الأردنية ليست صدامًا بين مكونات، بل صيغة توافقية تأسست على فكرة الدولة الجامعة. الهوية، كما عبّر، لا تُفرض بالقوة ولا تُختصر بالعرق أو الجهة، بل تُصاغ من خلال المواطنة الفاعلة، وسيادة القانون، والوعي بالتاريخ.
ربما كانت أقوى مقاطع الندوة حين تحدث عن السردية الأردنية، معتبرًا أن غياب سردية وطنية محكمة هو ما سمح للارتباك أن يتسلل إلى وجدان الأجيال الجديدة. فالتاريخ الأردني – كما وصفه – "نقي وشفاف"، لكنه لم يُكتب كما يليق. ودعا المؤسسات الثقافية والرسمية إلى الانخراط في إعادة بناء سرديتنا بعيدًا عن التردد أو المجاملة، لأن الرواية تُروى بمن يملك الجرأة على قول الحقيقة.
في زمن تتكاثر فيه الشعارات وتتآكل الثقة، يبرز الروابدة كصوت يوازن بين الوفاء للثوابت والقدرة على النقد. لا يتحدث بلغة استهلاكية، ولا يركب موجات التهويل، بل يقدم تصورًا مركبًا للهوية والسياسة والتاريخ، نابعًا من تجربة عملية وفهم نظري عميق.
محاضرة عبدالرؤوف الروابدة لم تكن مجرد مداخلة في ندوة ثقافية، بل وثيقة فكرية تستحق أن تُقرأ بهدوء. كان صوته صوت الدولة العميقة بمعناها الوطني .. صوت الذاكرة الحية التي لم تتقاعد، بل ما زالت تحاول أن تنقذ الفكرة الأردنية من النسيان والتشويه .