رغم الفارق الشاسع في القوة الاقتصادية والعسكرية بين الهند وباكستان، أظهرت المواجهات الأخيرة أن الإرادة السيادية إذا ما اقترنت بتكتيكات ذكية، قادرة على إعادة تشكيل قواعد الاشتباك في الإقليم. لم تكن باكستان تملك رفاهية التسليح أو التحالفات المدللة، لكنها امتلكت ما هو أهم: الإيمان بضرورة الدفاع عن السيادة بأي ثمن، وهو ما تجلى فيما يمكن وصفه بـ"أسلوب المخالب الجارحة".
الإدارة الأمريكية في عهد ترامب، التي لطالما اتُّهمت بالانحياز للهند والكيان، وقفت هذه المرة على الهامش. فلم تُسجَّل مؤشرات على دعم جوي مباشر للهند، ولم تُستخدم الطائرات الأمريكية في المواجهة، رغم العلاقات الوثيقة بين واشنطن ونيودلهي. بل إن هذا الصمت الجوي كان رسالة بحد ذاته: لا أحد يُمنح غطاء مطلقًا بعد اليوم.
يبدو أن الإدارة الأمريكية بدأت تدرك متأخرة أن قوة حلفائها التقليديين قد لا تصمد أمام واقع جديد يتشكل، حيث لم تعد أدوات الوكالة وحدها قادرة على الحسم. فحتى الكيان ، وهو رأس الحربة في مشاريع الوكالة، بات يتحرك وكأنه في الوقت بدل الضائع، خاصة في الساحة السورية التي لم تعد رهينة لمعادلة إقليمية واحدة، بل صارت نقطة تقاطع لعدة مصالح دولية.
أما على صعيد المنطقة الأوسع، فإن مجرد التفكير في فتح قنوات مع قوى مناوئة تقليديًا – مثل الحوثيين أو حتى الحكومة السورية – يشير إلى مراجعة شاملة في الفكر الاستراتيجي الأمريكي، وربما اعتراف ضمني بأن هندسة التوازنات لم تعد حكرًا على واشنطن.
في ضوء هذا المشهد، تبرز باكستان كنموذج لدولة غير مُدللة، لكنها فرضت احترامها على الطاولة. وربما كان هذا هو الدرس الأكبر الذي أدركه ترامب، متأخرًا.