في عالم تتحكم فيه المصالح وتُوزّع فيه المساعدات وفق الولاءات، لا يبدو من قبيل المصادفة أن يظل الأردن عالقًا بين حاجته الدائمة للدعم، ورغبته الأصيلة في التحرر الاقتصادي. السؤال الذي يطرحه كل أردني واعٍ: لماذا لا يُدعم الأردن بشكل يمكنه من النهوض فعلاً؟ ولماذا لا يُراد له أن يكون خاليًا من الديون؟
الأردن ليس دولة محاطة بالثروات، لكنه محاط بالمخاطر والصراعات: سوريا، العراق، فلسطين، وإسرائيل. هذا الموقع جعله دولة مركزية في توازن الإقليم، و وسيطًا ذكيًا في ملفات أمنية وسياسية كبرى. لكن هذه الأهمية لم تترجم إلى دعم اقتصادي يكفي لنهوض حقيقي. الدول الكبرى تريد استقرار الأردن، ولكن ليس قوته الكاملة. استقرار محسوب، دون أن يتحول إلى دولة مستقلة بالكامل تفرض شروطها.
الدول الكبرى تعتبر الأردن شريكًا استراتيجيًا في الحرب على الإرهاب، وضمانة للسلام. لكن الدعم الاقتصادي الدولي غالبًا ما يكون مشروطًا، مؤقتًا، ويوجه نحو الاحتواء لا التمكين. التحرر الاقتصادي الكامل يعني أن الأردن سيبدأ اتخاذ قرارات سياسية خارج إطار المساومات، وهذا ما لا يناسب مراكز القرار الدولي.
أكثر ما يميز الموقف الأردني أنه لم يساوم يومًا على القدس أو فلسطين. والتحرر الاقتصادي يعني مزيدًا من الجرأة السياسية، ومواقف أكثر صلابة في وجه الصفقات والمخططات. لذا، فإن بعض القوى ترى في إبقاء الأردن تحت الضغط الاقتصادي وسيلة لكبح جماحه السياسي والوصاية الهاشمية التي تزعج البعض.
المساعدات الدولية تُمنح للأردن لكنها غالبًا ما تأتي على شكل قروض. الرسالة غير المعلنة: "ابقَ محتاجًا، تبقَ مرنًا." هذا النمط من الدعم لا يصنع اقتصادات حرة، بل دولًا مشروطة الاقتصاد.
الأردنيون، رغم قسوة الظروف، يملكون وعيًا سياسيًا متقدمًا، ورفضًا حادًا للتدخلات الخارجية، وتطبيع القرار الوطني. وهذا الوعي الشعبي، إن تم تمكينه اقتصاديًا، قد ينتج نموذجًا عربيًا مختلفًا تمامًا: ديمقراطيًا، شريفًا، مستقلًا. وهذا ما لا يناسب كثيرين.
الأردن القوي لا يخيف، لكنه يربك من لا يريد رؤية دول مستقلة تقود لا تُقاد. التحرر الاقتصادي الأردني ليس مجرد رغبة داخلية، بل رهان سياسي كبير على سيادة القرار الوطني. وإن تأَخَرَ الدعم، فإن رأس المال الأردني الحقيقي سيبقى: الكرامة، والقيادة الهاشمية،ووعيالشعب.