أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب مجتمع مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات جامعات مغاربيات خليجيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

الخوالدة يكتب: الصبر.. منهج حياة ومفتاح النجاة


د. زيد احسان الخوالدة

الخوالدة يكتب: الصبر.. منهج حياة ومفتاح النجاة

مدار الساعة ـ
في أزمنة التحولات الكبرى، حيث يشتد الألم وتضطرب المقاييس، لا يبقى للإنسان من حصانة داخلية أقوى من الصبر.
لكنه ليس الصبر الساكن ولا الصبر السلبي، بل ذاك الذي يربّي البصيرة، ويقود إلى القوة الهادئة، وإلى العمل في العمق وإن تأخّر الحصاد.
الصبر ليس فقط قيمة أخلاقية، بل نظام شامل لإدارة الحياة:
في السياسة، هو وعي بالمرحلة وتحمّل للتكلفة حتى تكتمل الصورة.
في الاقتصاد، هو تراكم استراتيجي لا ترف عجول.
في الصحة النفسية، هو توازن داخلي بين الألم والأمل.
وفي السعادة، هو البذرة التي تنمو في صمت، حتى تفيض نورًا.
حين يقول تعالى: {واصبر وما صبرك إلا بالله} [النحل: 127]، فإن الصبر هنا ليس حالة ذاتية فقط، بل ارتباط بالله، بالمصدر، بالقوة العليا، ما يعني أن الصابر لا يتكئ على ضعف، بل يستند إلى قوة.
وحين يربط القرآن بين القيادة والصبر:
{وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا} [السجدة: 24]،
فهو يعلن أن القيادة الحقيقية لا تُبنى على الحظ، بل على القدرة على الصبر الطويل دون أن تفسد الروح.
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم كانت مدرسة في الصبر، لا بوصفه تقبلًا للضعف، بل استثمارًا في الوقت.
في لحظة الحصار، كان يُرسي دعائم دولة.
وفي لحظة الوداع، يزرع بذور المستقبل.
قال صلى الله عليه وسلم:
"واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا".
الصبر كنظرة حياة عند الاحنف بن قيس رصي الله عنه ...
الصبر مفتاح الحكمة والنجاح، كما قال الأحنف بن قيس: "من لم يصبر على ما يكره، اضطر إلى ما هو أشد منه." الصبر ليس مجرد تحمل، بل استراتيجية حياة تعزز المرونة النفسية، كما تؤكد الموجات العلاجية الحديثة. هو سبيلنا للسكينة والسلام الداخلي.
ابن القيم وابن الجوزي... حين يشرح الحكماء معنى الثبات
يقول ابن القيم:
"الصبر ثلاث مراتب: على الطاعة، عن المعصية، على البلاء. وكل مرتبة أعظم من الأخرى بحسب مقامات القلوب."
أما ابن الجوزي، فكان يرى أن:
"البلاء إذا اشتد، قرب الفرج. وإذا أظلم الليل، بزغ الفجر. فاصبر، فإن اليأس كفر بالمعنى."
الموجة الثالثة في علم النفس: الصبر هو إعادة تعريف الألم
في العلاج السلوكي الجدلي (DBT)، يُطلب من الفرد أن يتعلم مهارات تحمّل الضيق دون أن يتهرب أو ينفجر.
وفي العلاج بالقبول (ACT)، الصبر يعني أن تعترف بالألم كجزء من التجربة لا كعدو.
أن تراه، تسمّيه، تقبله، ثم تتحرك رغمًا عنه نحو ما تؤمن به.وفي اليقظة الذهنية الوعي بمشاعرنا وأفكارنا دون الحكم أو محاولة التغيير.
الصبر ليس تأجيلًا... بل تخطيطًا ناعمًا للنجاة
في عالم مضطرب سياسيًا واقتصاديًا، يُصبح الصبر شرطًا للنجاة لا رفاهية نفسية.
من يمارس الصبر كمنهج لا كعزاء، يبني مؤسسات، ويؤسس ثقافات، ويخرج من عمق الجراح أكثر وعيًا لا أكثر مرارة.
خاتمة: الصبر ليس الانحناء للعاصفة، بل الوقوف بهدوء حتى تمر
إننا لا نحتاج إلى صبر الضعفاء، بل إلى صبر الحكماء:
الذين يرون الألم مؤقتًا، والزمن حليفًا، والإيمان مرفأ.
وما أجمل أن نختم بقول الله تعالى:
{واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا} [الطور: 48].
فيه يكمن سرّ النجاة: أن تصبر وأنت ترى نفسك في عين الله.
مدار الساعة ـ
story