حين ننظر إلى الجسد،
نراه خارطة سلامٍ منسوجة بلحمٍ ودم،
عضوٌ يُصغي،
وجهازٌ يتنفّس،
وعينٌ تنقل مشهد الحياة إلى العقل...
لكن تحت الجلد،
تنبض حربٌ صامتة،
علاقاتٌ تتآكل حين يعلو صوت الأنا.
العين...
لم تعد ترى، بل تختار ما يُرى.
تنتقي الصورة، وتحجب الحقيقة،
تبيع للعقل حلمًا جميلاً، وجسدًا رشيقًا،
بينما المرض يتسلّل... كجاسوسٍ يعرف كل زاوية.
العقل...
ذاك الذي كان سُرّة الحكمة،
يُبعثر قراراته،
تمرّ أوامره عبر جهازٍ عصبيٍّ متقلّب،
ينقل الرسالة... لعنوانٍ خطأ.
الأذن...
تبتلع الضجيج بلا تذوّق،
كل صراخٍ أشدّ من الآخر،
كل حكمةٍ تضيع في الزحام،
وصوتُ الوعي...
يتحوّل إلى طنينٍ أبكم.
الرئة...
لم تحتمل الموقف،
زفرت كما يصرخ طفلٌ حين الولادة.
اتُّهمت بالتمرد،
بينما كانت فقط... تحاول أن تتنفس.
والمعدة... يا سادة،
لم تعد تستوعب الغذاء،
بل تهضم الفوضى
ببطءٍ مؤلم،
وتُلام إن صاحت من الوجع.
العضلات...
كتفٌ مُنهك،
يئنّ من أوامر لا يُدرك معناها،
يحمل عبئًا لا يدري لمَن… ولا لماذا،
يرتجف عند كل نداءٍ،
ويصرخ:
لن أرفع حملًا
لا أعرف وجهته...
المفاصل...
طريقها مسدود،
تتقاتل على الاتجاه،
القدم اليسرى تشدّ نحو حلمٍ لا يتحقق،
واليمنى تنكفئ نحو ماضٍ غابر،
وما بين الحُلم والحنين...
تضيع الخطوة.
القلب...
ذلك الخافق في العتمة،
يرسل إشارات استغاثة،
ولا أحد يُصغي...
فيقرّر أن يدقّ بهدوء،
كمن يكتب وصيّته الأخيرة.
الهيكل...
ذلك الظلّ الذي لا يُذكر،
يحمل بصبر،
يتصدّع في صمت،
يقول:
إن أنا سقطت،
سيسقط الجميع...
هكذا،
يتكلّم الجسد حين لا يجد من يُنصت.
يتصارع مع ذاته،
ينهار بلا طلقة رصاص،
ويموت لا من عدوٍّ خارجي،
بل من يدٍ نسيت...
أنها كانت جزءًا منه.