سؤال يطرحه مؤازرو المدرسة الغربية – الأمريكية ،و أسمعه على المستوى الشخصي في الجلسات المغلقة ، و على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي . و قناعتي هنا راسخة ، بأن من يطرح سؤالا " هل تورطت روسيا في الحرب الأوكرانية ؟ صعب عليه استيعاب كواليس الحرب . و بنفس الاتجاه عندما يطرح سؤالا مقابلا لماذا لا تعاقب روسيا إسرائيل جراء حرب الإبادة التي تقترفها يوميا بحق الشعب الفلسطيني في غزة – أهلنا ، و تفرض عليها حصارا اقتصاديا ؟ بينما هو موقف روسيا إلى جانب الصين شجاعا ، و اضحا ، قويا إلى جانب قضية فلسطين العادلة ،و الأكثر تمسكا بالقانون الدولي و مطالبة بحل الدولتين ، و بالدولة الفلسطينية و عاصمتها القدس ،و بتجميد الاستيطان .
و للأجابة على السؤال الأول المطروح أعلاه و الخاص بالحرب الأوكرانية ، و التي هي أوكرانية و بالتعاون مع " الناتو " بالوكالة لمواجهة روسيا الاتحادية ، و التي سبق أن صدر لي كتابا بخصوصها وسط كتبي الأربعة المتخصصة بالشأن السياسي الروسي و الدولي ، وكان ذلك عام 2022 بعنوان " مشهد من الحرب التي يراد لها أن لا تنتهي ، الروسية الأوكرانية ومع " الناتو " بالوكالة . و المعروف لدي ، والتي هي قناعة ثابته لا تخضع لمعايير الدعاية الإعلامية و الدعاية المضادة ، بأن الحرب الأوكرانية ، أو التي هكذا تسمى شيوعا ، بدأت من وسط العاصمة " كييف " ، بعد حراك الثورة البرتقالية " الاصلاحية ؟ " التي كان هدفها توجيه بوصلة أوكرانيا للغرب و لتقريب " الناتو " منها بعد الاستقلال و الانفكاك عن الاتحاد السوفيتي عام 1991 . و تم تفعيل التوجه ذاك بمساعدة مباشرة من التيار البنديري الأوكراني المتطرف الذي قاده في عمق التاريخ المعاصر ستيبان بانديرا وسط أتون الحرب العالمية الثانية التي قادها من طرف دول المحور أودلف هتلر، 1939 – 1945 .وتم تفعيل الحراك البنديري بتنفيذ انقلاب دموي في العاصمة " كييف " عام 2014 ، و بالتعاون لوجستيا بداية مع المملكة المتحدة – بريطانيا – باريس جونسون ، و الولايات المتحدة الأمريكية – جو بايدن ، و هانتر بايدن الأبن ، و التشجيع بإتجاه رفض اتفاقية " مينسك 2015 " التي اشتركت في حوارها – روسيا الاتحادية بحضور الرئيس بوتين ، و بيلاروسيا بحضور الرئيس الكسندر لوكاشينكا ، و المانيا بحضور المستشارة أنجيلا ميركل ، و فرنسا بحضور الرئيس إمانويل ماكرون .
و الدفع بإتجاه حرب شعبية يقودها نظام " كييف " – بيترو بارشينكا ، و فلاديمير زيلينسكي، استهدفت المكون الأوكراني و الروسي في شرق و جنوب أوكرانيا بهدف ضم شرق و جنوب أوكرانيا قسرا، و ادارة الظهر بالكامل لروسيا . و تسببت الحرب التي استمرت ثماني سنوات بقتل و تشريد أكثر من 14 الفا من الأوكران و الروس بداية . ولهذا كله سيداتي سادتي لم تتورط روسيا الاتحادية في الدفاع عن سيادتها ، وهي التي تملك قراءة تاريخية عميقة مفادها بأن أوكرانيا بالنسبة لها هي " روسيا الصغيرة " ، و بأن فلاديمير لينين ، و نيكيتا خرتشوف ، و جوزيف ستالين هم من صنعوا أوكرانيا لأسباب زراعية ومنافذ مائية . ومن الممكن القول هنا أيضا، بأن روسيا تأخرت في التصدي للحرب المعلنة من قبل " كييف " العاصمة ، في وقت ارتكزت فيه روسيا على اتفاقية انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 ، و على مادة ميثاق الأمم المتحدة رقم 751 التي تخول الدولة المعتدى على سيادتها مثل روسيا الدفاع عن حدودها ، فجاء الرد الروسي الأول بتحريك صناديق الأقتراع في إقليم ( القرم ) و بضمه طوعا لسيادة روسيا و دستورها .
و الرد الروسي الثاني جاء عبر صناديق الأقتراع و تمحور بتحريك عملية عسكرية خاصة ، دفاعية ، إستباقية ، تحريرية ، تحركت فعلا بتاريخ 24 / شباط / 2022 بعد تصويت مجلس الأمة الروسي ( النواب و الأعيان ) ، و الحكومة ، و قصر " الكرملين " الرئاسي عليها ، و صادق على ساعة صفرها الرئيس فلاديمير بوتين شخصيا . و تمكنت على مدى أكثر من ثلاث سنوات (2022 / 2025 ) و بمشاركة عسكرية محدودة مكونة من فرقتين و ثالثة مساندة لهما من تحرير أربعة أقاليم إلى جانب القرم ، و هي ( الدونباس – " لوغانسك ، و دونيتسك " ، و زاباروجا ، و خيرسون ) ، و لازالت روسيا ماضية بتحرير المزيد ، و عينها على خاركوف و أوديسا وصولا لنهر الدنيبر كما هو مخطط ، و مظاهرات في أوديسا تطالب بالانضمام لروسيا ، و استثمارا لسلام سوف يوقع تحت النار ، أي من دون توقيف للحرب إلا إذا كانت الأمور تتجه تجاه سلام دائم و ليس مؤقتا كما تريد " كييف " و عواصم الاتحاد الأوروبي بهدف إعادة تزويد " كييف " بالسلاح و لضمانة ديمومة الحرب . وهاهي المانيا تعلن عن جاهزيتها تدريب " كييف " على صنع صواريخ بعيدة المدى ، و هو الذي أغضب موسكو . و جولة حوار جديدة بين روسيا و أوكرانيا بحضور أمريكي في إسطنبول في الثاني من حزيران المقبل 2025 .
و يسجل لموسكو – بوتين ، و أوشاكوف ، و لافروف ، النجاح بضخ معلومات دقيقة و صحيحة و مطلوبة في الوقت المناسب للقيادة الأمريكية برئاسة الرئيس دونالد ترامب ، عبر جلسات المملكة العربية السعودية على مستوى الخارجية و الخبراء ،و هو الأمر الذي دفع بالرئيس ترامب لقلب طاولة الحرب و الاقتناع بأن نظام زيليسنسكي هو من بدأ الحرب ، و بأنه يعمل لتهييج الدولتين و القطبين العظميين روسيا و أمريكا تجاه حرب عالمية ثالثة مدمرة للحضارات و البشرية لولا وجود الخط الساخن بينهما .ولم يتوقع الرئيس زيلينسكي و نظامه السياسي الخاسرون للحرب التي بدأوها ، بأن حربهم و الغرب لن تستمر مجانية ، فجاء عهد ترامب ليطالبهم بتوقيع اتفاقية اقتصادية استثمارية قيمتها 500 مليار دولار مع الفوائد على شكل معادن نادرة و ثمينة تعويضا عن مادفعه ، و زج به الغرب من مال أسود، و سلاح بقيمة وصلت إلى 350 مليار دولار .و لازال الاتحاد الأوروبي وبعد انشطار الرأس الأمريكي سياسيا عنه ، و التهديد بتفكيك حلف " الناتو " ، يمارس الدسيسة و يجذف تجاه المراوغة المشتركة مع نظام " كييف " للوصول لسلام مؤقت مخادع مع موسكو لتمرير مزيد من السلاح للجانب الأوكراني الذي انهكته الحرب ، وتسببت بمقتل أعدادا كبيرة من عسكر الطرفين .
و تطرح المدرسة الغربية – الأمريكية القادمة جذورها من عهد الرئيس جو بايدن سؤالا في نفس السياق مفاده ، هل خسرت روسيا سوريا بعد قدوم نظام أحمد الشرع الذي تحول من الثورية إلى المدنية ، و بعد هروب نظام بشار الأسد إلى موسكو ؟ أجيب هنا بلا قطعا ، و من الطبيعي أن تتخصص المرحلة الانتقالية بالحوار الروسي – السوري الهاديء الذي قاده مخيائيل بغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي ، والرئيس السوري أحمد الشرع ، و تصريح هام للرئيس الشرع قال فيه بأن علاقة سوريا مع روسيا ستبقى استراتيجية طويلة المدى ، وهو الأمر الذي أكده في موسكو سمو أمير قطر تميم بن حمد ال ثاني بحضور الرئيس بوتين ، و القيادة الروسية في قصر الكرملين مؤخرا . و العلاقات الروسية – السورية لا تقتصر بطبيعة الحال على الأحتفاظ بقاعدتي طرطوس و حميميم ، و إنما لتستمر شاملة اقتصادية ،و سياسية ، و عسكرية ، و اجتماعية، و ثقافية أيضا .
ولقد أسعدني بوجود من ينصف الموقف الروسي من القضية الفلسطينية من خارج منظومة الدارسين في الاتحاد السوفيتي ، أو في روسيا الاتحادية و يتساءل ذات الوقت لماذا لا تتوجه روسيا و الصين كذلك لتوجيه عقوبات لإسرائيل جراء جريمة الإبادة البشرية المستمرة في قطاع غزة ؟ ، و هنا أجيب بأن الموقف الروسي تحديدا من السابع من أكتوبر 2023 لم يتفهم الحادثة و اعتبرها متطرفة ، و أدان حرب الإبادة ذات الوقت ، و استضاف حماس في موسكو أيضا . و أرسلت روسيا المساعدات الإنسانية لقطاع غزة إسوة بدول العالم ، ووصف الرئيس بوتين مايجري في غزة بحصار ليننغراد ، و طالب بوتين ووزير خارجيته سيرجي لافرف ، و مستشاره يوري أوشاكوف ، و مندوب روسيا في الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا طالب أيضا بضرورة وقف الحرب في غزة ، و بارك الأفراج عن الأسير الإسرائيلي – الأمريكي عيدان ألكسندر ، في إشارة لأهمية ترطيب العلاقات الروسية – الأمريكية في زمن تغليب لغة السلام في الحرب الأوكرانية على لغة الحرب ،و الدعوة لإستمرارها لحين توقيع سلام دائم .
ومن المهم الإشارة إليه هنا ، هو بأن روسيا تتعامل مع إسرائيل كدولة مستقلة و عضوا في الأمم المتحدة ، وبينهما تمثيل دبلوماسي و مشاورات سياسية ، رغم أن الموقف الإسرائيلي من العملية الروسية العسكرية الخاصة داخل الأراضي الأوكرانية السابقة، و التي أصبحت روسية الأصل و دخلت الدستور الروسي ، سلبي . و علاقات أقوى بين نظام " كييف " و الرئيس زيلينسكي مع تل أبيب ، وتعاون اقتصادي ، وتقني عسكري ، و لوجستي . و حضور روسي ديمغرافي ومنه يهودي مليوني داخل إسرائيل ووسط الجيش الإسرائيلي. و سبق للصين أن اقترحت مشروعا للسلام الروسي – الأوكراني ، لكنها لا تملك أوراقا للضغط على إسرائيل .
و حري بنا هنا في الختام بأن نطالب بموقف عربي موحد صارم ، من جريمة الإبادة الإسرائيلية ، و بموقف متقدم للجامعة العربية للضغط دوليا من أجل وقف الحرب في غزة فورا بعد الأفراج عن كافة أسرى إسرائيل و المعتقلين الفلسطينيين لدى إسرائيل ،و التفرغ لبناء دولة فلسطينية كاملة السيادة في زمن يطالب فيه الشارع العربي والإسلامي و المسيحي بكامل فلسطين و بكامل القدس .