div>في زمنٍ تتنازع فيه الضوضاءُ على أذاننا، وتُباع فيه الحناجر في أسواق الاستعراض، خرج من بين الناس رجلٌ لم يرفع صوته، بل رفع مقام الصوت... عامر الرجوب.
هو ليس مجرد إعلامي، بل مرآة صادقة لأحلام الناس وآلامهم. في افتتاح إذاعته الجديدة "عين إف إم" على التردد 98.03 FM، لم تكن البداية عادية، بل كانت ميلادًا لحكاية وطنية جديدة، تنسج من البساطة مجدًا، ومن الصدق منصة. كان الافتتاح في يوم الاستقلال، وكأن الوطن نفسه يُبارك هذا الصوت الخارج من رحم المعاناة لا من مكاتب التكييف والسيارات السوداء.
لم يتصل بمسؤول، ولم يستنجد بمنصب. بل كانت أولى كلماته مع من ربّته على الدعاء لا على التملق... مع والدته، تلك السيّدة التي كانت مفاجأتها الأولى أن صوت ابنها، لا صوت شهرةٍ، يتصل ليطلب بركتها لا تصفيقها. مشهدٌ لا يفتعله الذكاء الاصطناعي، بل تكتبه الروح بخيوط الحنين.
"بصوتك مع عامر الرجوب" هو برنامج، يعد ثورة صوتية هادئة، أراد بها أن يردّ الأمانة للشارع، حيث نبض الحقيقة... الشارع الذي أنهكه الصبر وابتلعته الهموم، فوجد في هذا الصوت ملاذًا. كان يتحدث عن همّ الخبز، وغلاء الدواء، ودمعة الأرملة، وألم الجندي، وصرخة الشاب العاطل عن العمل... وكان يفعل ذلك بلغةٍ ليست منمقة، بل ممزوجة بوجع الوطن.
ومن عين "عين إف إم" خرجت روح الإعلام الحقيقي، مدعومة بشبكة من الفكر والهوية، من موقع الدار الذي يرصُد النبض، وبودكاست جزيل الذي يوثق الوجدان، وموقع مرهم الذي يمسح على جراح الناس... جميعها ضمن مؤسسة واحدة تؤمن بأن الإعلام رسالة، لا وسيلة ضغط ولا منصة مجاملة.
لكن الصوت، حين يكون صادقًا، لا يحتاج إلى أبراج بثّ، يكفيه أن يولد من جوف الحقيقة لينتشر في القلوب كما تنتشر شموس الصباح على رؤوس الحالمين. وعامر الرجوب، لم يصنع إذاعةً فقط، بل استحضر مفهوم "المنبر الروحي"، ذلك الذي لا تُديره الإعلانات، بل تُديره النوايا. لقد منحنا عودةً إلى الفطرة الإعلامية، حيث الكلمة موقف، والميكروفون عهد، والبثّ صلاة يومية على مذبح الوطن.
في كل جملة يقولها، ثمة دعوة خفية للتأمل... دعوة لنتذكّر أننا لا نحتاج إلى أبواق تُصفّق، بل إلى أصوات تُشعل وعينا. وحين يتكلم عامر، لا يفتح فمه فقط، بل يفتح فينا نوافذ من نور، نطلّ منها على أنفسنا... على أحلامنا التي دهستها الموازنات، وعلى كرامتنا التي نسينا شكلها تحت ركام التصريحات. إن الإعلامي حين يتحوّل إلى ضميرٍ متحرك، فإن صوته لا يُسمع فقط، بل يُشعر... يُشعرنا أننا لسنا وحدنا، وأن هناك من لا يزال يقاتل بالكلمة... لا ليصنع مجدًا شخصيًا، بل ليعيد للناس حقّهم في الحلم.
عامر الرجوب، لمن لا يعرفه، إعلامي أردني مخضرم، بدأ رحلته من عمق الميدان، لا من أبراج النخبة. اشتهر بتقديم البرامج الحوارية والسياسية والاجتماعية، عُرف بمواقفه الجريئة وصوته المتزن، وبقربه الصادق من الناس. قدم برامج مؤثرة على شاشات محلية وعربية، وكان دائمًا صوتًا منحازًا للوطن والحق. واليوم، يُتوَّج مسيرته بإطلاق إذاعة "عين إف إم" على التردد 98.03 FM، وبرنامجه الجماهيري "بصوتك"، الذي يُشكّل حلقة وصل بين المواطن وصدى الكلمة الحرّة.
نتمنى له التوفيق لا لأنه إعلامي، بل لأنه إنسان.
نتمنى له الاستمرار لا لأنه ناجح، بل لأنه صادق.
فليبقَ كما عهدناه دومًا: صوتًا لا يعلو على الناس، بل يعلو لأجلهم.