ليس كل ما يكتب خبرا . و ليس كل ما تخطه الكتب صحيحا . فما بالكم إذا ما كانت الكتب المنتشرة في المكتبات استخبارية الطابع . فليس صحيحا أبدا ، بأن الجهاز اللوجستي الأمريكي ( سي . أي . إيه ) هو من استدرج الاتحاد السوفيتي لاجتياح أفغانستان عام 1979 بهدف اضعافه ، و تكسير قوته في مجال التصدي للحرب الباردة و سباق التسلح مع الغرب الأمريكي . وكلنا نعرف في المقابل ، بأن الولايات المتحدة الأمريكية صنعت سلاحها النووي عام 1945 نهاية الحرب العالمية الثانية و جربته فورا بضرب اليابان في واقعتي ( هيروشيما و ناكازاكي ) بهدف ضمانة إنهاء الحرب . و تمكن الاتحاد السوفيتي من صنع سلاحه النووي عام 1949 لردع أي هجوم غربي مباغت ، و اكتشف مؤامرة نووية عليه في نفس العام من قبل الغرب ،و عندما عرف الغرب بوجود قوة نووية سوفيتية ظهرت حديثا تراجع عن مشروعه التدميري بحقه .

العتوم يكتب: هل استدرج الأميركان السوفييت إلى أفغانستان ؟
مدار الساعة ـ
لكنه ، أي الاتحاد السوفيتي لم يستخدمه أبدا ، و أعلنت روسيا الاتحادية مؤخرا عام 2024 عن استراتيجية عسكرية دفاعية جديدة تخولها استخدام الردع النووي حالة مهاجمتها نوويا ، أو على شكل هجوم تقليدي مباشر مكثف .و اليوم تمتلك روسيا لوحدها تراسانة نووية عسكرية ، و منها بحرية ، و فضائية ، متطورة و الأولى في العالم ، و لا تضاهيها قوة نووية في الغرب غير الأمريكية . و المعنى هنا ، هو ، بأن أمريكا تعرف مسبقا ، و لديها قراءة استخبارية دقيقة تؤكد عدم قدرتها على مناكفة القوة النووية الروسية العسكرية رغم ارتياحها لتفكك الاتحاد السوفيتي 1991 .
لقد كان عنوان الاجتياح السوفيتي لافغانستان عام 1979 ، العلني و السري ، هو التصدي للحرب الباردة و سباق التسلح مع الغرب بقيادة أمريكا – الولايات المتحدة الأمريكية .و الاتحاد السوفيتي مثل خمس عشرة جمهورية ، بينما مثل الغرب 50 دولة ، و تركز السلاح النووي الكبير في روسيا و في أمريكا في المقابل ،و لم تتأثر روسيا كثيرا من تفكيك الاتحاد السوفيتي ، رغم أهمية التشكيلة السوفيتية على المستوى الاستراتيجي العسكري و الاقتصادي . و هبط الاتحاد السوفيتي في أفغانستان قبيل سويعات من هبوط الولايات المتحدة الأمريكية فيها ، و الهدف الدقيق عدم السماح لصواريخ حلف " الناتو " المؤسس عام 1949 من الأقتراب من العمق السوفيتي و العاصمة موسكو ، خاصة بعد خسران الاتحاد السوفيتي ، و روسيا تحديدا لإقليم " ألاسكا " عام 1867 ، وهو الذي تم بيعه في العهد القيصري رغم موقعه الاستراتيجي العسكري ، و الاقتصادي الكبير .
و الصورة ذاتها تكررت عام 2014 عندما حاول الغرب الأمريكي في عهد رئيس وزراء بريطانيا – باريس جونسون ، و الرئيس الأمريكي – جو بايدن اختراق الجدار الأوكراني لزج " الناتو " لداخل الأراضي الأوكرانية المحاددة من جهة الجنوب من روسيا الاتحادية الناهضة عسكريا و نوويا عسكريا ، و على مستوى اقتصاد أسيا . و غرر بنظام أوكرانيا الذي تشكل بعد انهيار الاتحاد السوفيتي و قاده بيترو باراشينكا ، و فلاديمير زيلينسكي ، و أغرقه بحرب شعبية بداية استهدفت المكون الأوكراني و الروسي استمرت ثماني سنوات راح ضحيتها أكثر من 14 الفا منهم ،و تشرد غيرهم ، و زاد عدد القتلى من الطرفين الأوكراني و الروسي بسبب استمرار الحرب الأوكرانية أكثر من ثلاث سنوات بمعدل 1-8 لصالح روسيا .
لم يكن الاتحاد السوفيتي في عهد ليونيد بريجنيف راغبا بالبقاء في أفغانستان أو احتلاله رغم مساندة ( أنغولا ، و المانيا الشرقية ، و فيتنام ، و الهند ) لتوجهه تجاه أفغانستان . و من الطبيعي في المقابل وعبر عشر سنوات من القتال السوفيتي الشرس مع التطرف الأفغاني لتنظيم طالبان في الجبال الوعرة أن تتصدى له الاستخبارت الأمريكية و الغربية ،و حلفاء الغرب ( باكستان ، و عرب الجزيرة ، و إيران ) ، و الهدف بعيد المدى الثأر لعدم سماح السوفييت لأمريكا و الغرب ، و للناتو ، بالهبوط في أفغانستان ،و استفرادهم بالمنطقة الافغانية الاستراتيجية عسكريا أنذاك ، و التي شكلت نقطة فاصلة بين الشرق و الغرب . ومن غير المعقول تصور بأن الاتحاد السوفيتي كان يعمل من دون جهد عالي لجهاز ( الكي . جي . بي ) الأمني المخترق للغرب ، تماما كما جهاز ( السي . أي ، إيه ) الأمريكي المخترق للشرق ،و لكن بسقف و حدود معقولة . وجاء عهد ميخائيل غورباتشوف الليبرالي ، و الداعي للغلاسنوست ، و الشفافية ، لينهي حقبة التدخل و الاجتياح السوفيتي لأفغانستان ، و ليضع حدا نهائيا لبقاء جبروت الاتحاد السوفيتي ، و حلف ( وارسو ) العسكري الشرقي كذلك .
روسيا الاتحادية و الولايات المتحدة الأمريكية اليوم ، اللذين يشكلان قوتان نوويتان عملاقتان على وجه الأرض ، يعبران جسرا من العلاقات السياسية الدافئة بعد لقاء المملكة العربية السعودية على مستوى الخارجية و الخبراء ، و لقاء موسكو بوتين و لافروف مع ستيف و يتكوف مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن كل ماله علاقة بالحرب الأوكرانية شيوعا ، و البناء على جلسات الحوار الروسية – الأوكرانية في أنقرة عام 2022 ، و في إسطنبول عام 2016 ، للتجهيز للقاء جديد روسي – أوكراني تحت المظلة الأمريكية تحت اشراف ترامب و روبيو بتاريخ 2 حزيران الجاري ، و برعاية تركية رفيعة المستوى يقودها الرئيس رجب طيب أوردوغان . و اصرار روسي رسمي على تحقيق سلام دائم يتعارض مع توجه أوكرانيا ( كييف ) للوصول إلى سلام مؤقت مدته شهرا واحدا ، قد يستغله الاتحاد الأوروبي بعد انشطار الرأس الأمريكي سياسيا عنه ، للعودة لتسليح الجناح الغربي لأوكرانيا ، و اعلان المانيا عن مثل هكذا توجه عسكري الان يصب بنفس الاتجاه السلبي الذي تتوقعه موسكو ، و أنذرت المانيا بشأنه .
ومطالبة للنظام الأوكراني بقيادة فلاديمير زيلينسكي من موسكو لتسليمها ملف شروط التسوية الروسية مسبقا قبل لقاء إسطنبول في الثاني من أذار 2025 ليس في مكانها ، و تؤشر على رغبة ( كييف ) تسليم الملف للاتحاد الأوروبي للعبث في محتواه ، و للذهاب للمراوغة مع موسكو من جديد ، و حتى افشال المحادثة الجديدة في إسطنبول ، بينما يتنظر الجانب الروسي من أوكرانيا ( كييف ) تنفيذ متطلبات لقاء إسطنبول 2016 ، وفي مقدمتها تبادل ألف أسير بمثلهم ،و التوجه للاتفاق على سلام يكشف نقاط الخلاف و يؤسس لسلام حقيقي طويل المدى وعادل .
و عودة للموضوع الأفغاني في عمق التاريخ المعاصر ،و الذي هو عنوان المقالة هنا ،فإن الولايات المتحدة الأمريكية رغبت عام 2001 العودة للمربع الأفغاني بعد مغادرة السوفييت له ، بعد صدام عنيف مع المقاومة الأفغانية العارفة أكثر من السوفييت بطبيعة المنطقة الجغرافية ،و المدعومة من قبل أمريكا ، و جزيرة العرب ، و إيران ،و باكستان ، و لأسباب ذات علاقة مباشرة بالحرب الباردة و سباق التسلح ،و التحجج بوجود زعيم تنظيم القاعدة الارهابي أسامة بن لادن ، و الذي هو أحد الأسباب و ليس كلها ، و بحادثة 11 سمبتبمر 2001 على أنها من صنع القاعدة فقط ، و تبين لاحقا بإنها من صنع إسرائيل بدليل عدم تضرر يهود أمريكا بالحادثة بعد مغادرتهم لها قبل حدوثها أنذاك . ومثلما غادر السوفييت أفغانستان عام 1989، غادرها الأميركان عام 2021 ،و عادت أفغانستان لأهلها تحكمها منظمة طالبان و البشتون اللذين زجا السوفييت و الأميركان معها في صراع دموي طويل المدى .