div>مدار الساعة - كتبالداعية فراس الخريسات:
مع اقتراب موسم الأضاحي، يتردد كثير من الناس في كيفية توزيع لحم الأضحية بشكل يحقق أكبر منفعة للمستحقين، خاصة عندما يُراد توزيع اللحم على عدد كبير من الناس. هذا التساؤل يحمل في طياته جانبًا فقهيًا عميقًا يرتبط بمقاصد الشريعة الإسلامية في تحقيق العدالة والرحمة والإحسان.
في الفقه الشافعي، لا يكفي مجرد تقسيم لحم الأضحية على أكبر عدد ممكن، بل الأهم هو أن تكون الحصة التي يحصل عليها كل مستفيد كافية تغنيه وتحقق له النفع المقصود. فحين يُقسم اللحم على عدد كبير جدًا، قد يحصل كل شخص على جزء صغير جدًا قد يكون مجرد عظام أو قطع قليلة، وهذا لا يحقق المقصد الشرعي ولا يفي بغرض الإطعام والكرم.
الله تعالى أمرنا في كتابه الكريم أن نأكل من الأضحية ونطعم البائس الفقير، أي من لا يجد ما يسد حاجته، فلا يكون الهدف فقط التقاسم الرمزي وإنما تحقيق الفائدة الحقيقية التي ترفع الحاجة وتحفظ الكرامة. قال تعالى:
{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [سورة الحج: 28]
والرسول ﷺ بيّن أن الإحسان مطلوب في كل شيء، كما قال: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء» [رواه مسلم]، والإحسان في الأضحية يعني التوزيع العادل الذي يصلح ويسد حاجة المحتاجين.
لذا، يُستحب في المذهب الشافعي أن يوزع المضحي الأضحية على عدد معتدل من الناس بحيث تكون الحصة التي يحصل عليها كل مستفيد ذات قيمة حقيقية، تحقق له الغنى عن السؤال، وتبقى فيه أثر الرحمة والكرم. وهذا التوزيع ليس فقط عبادة مالية، بل عمل اجتماعي يعزز أواصر التكافل والتراحم بين أفراد المجتمع.
وفي هذا التوزيع الحكيم يظهر العدل والرحمة اللذان هما من مقاصد الشريعة الكبرى، فلا نجعل التوزيع على الكثير بحيث يضعف النفع، ولا نقتصر على عدد قليل جدًا بحيث يحرم غيرهم.
نسأل الله أن يوفقنا لفعل ما يحبه ويرضاه، وأن يجعل أضحياتنا مصدر بركة لنا وللمسلمين، وأن يكتب لنا أجرها في الدنيا والآخرة.