div>مدار الساعة - كتبت م. مها موسى المجالي:
نعيش اليوم في عالم سريع التحولات حيث تكثرالتحديات والتغيرات تتسارع ما يجعل التميز المؤسسي ليس مجرد رفاهية تنظيمية بل ضرورة استراتيجية لضمان استدامة المؤسسات وقدرتها على المنافسة ومع انتشار ادوات الذكاء الاصطناعي لم يعد التميز يُقاس بمدى الالتزام بالإجراءات التقليدية بل أصبح يعتمد على الخوارزميات والبيانات والتحليلات المتقدمة وهي اللغة الجديدة للنجاح.
لم تعد المؤسسات تعمل في بيئة يمكن التنبؤ بها بل أصبحت تواجه واقعا مليئا بالتقلب والتعقيد والسرعة وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي ليعيد تعريف التميزالمؤسسي محولا إياه من هدف إداري إلى وظيفة معرفية ذكية تعتمد على التكنولوجيا والرؤية البشرية وتقوم على الاستباق والمرونة والتعلم المستمر.
يستعرض هذا المقال اهم المحاور الرئيسية التي تعكس فهما ناضجا للتميز المؤسسي في عصر الذكاء الاصطناعي:
المحور الأول : "القدرات الذكية :كيف تعيد الخوارزميات تشكيل جوهر التميز "؟
في السابق كان يُنظر إلى القدرات المؤسسية على أنها تعتمد على البنية التحتية العمليات والموارد لكن في يومنا الحالي تغيّرت القاعدة حيث اصبحت الخوارزميات هي المحرك الرئيسي لهذه القدرات فلم تعد مجرد أدوات تحليل بل تحولت إلى أنظمة ذكية تدعم اتخاذ القرارو تُحسن عملية توزيع الموارد وتمنح المؤسسات رؤية لحظية لمشهد العمليات مما يتيح استجابة فورية للتحديات.
ومن اجل تحقيق هذا التحول لا بد من وجود بنية تحتية مرنة وتكامل في البيانات وتطوير حلول ذكاء اصطناعي مصممة خصيصًا لدعم العمليات التشغيلية والاستراتيجية. كما يتطلب الأمر الاستثمار في تدريب الكوادر البشرية وتحديث السياسات التنظيمية لضمان الاستخدام الأخلاقي لهذه التقنيات .إذ أن التميز اليوم لم يعد ناتجًا عن تراكم الخبرة فقط بل عن دقة التحليل وسرعة التفاعل وجودة القرار.
المحور الثاني:"استباق الأداء :الذكاء الاصطناعي كعين المؤسسة نحو المستقبل"
سابقا كانت المؤسسات تقيس الأداء بعد وقوع الحدث لكن اصبح بالامكان مع ثورة الذكاء الاصطناعي الانتقال من التحليل بأثر رجعي إلى التحليل التنبؤي ومن رد الفعل إلى الفعل الاستباقي حيث تستطيع الأنظمة الذكية اليوم تحليل سلوكيات العملاء واستشراف المستقبل وتحديد مؤشرات الخطر والفرص قبل حدوثها مما يساعد المؤسسات في اتخاذ قرارات استباقية تحافظ على الأداء المؤسسي في أفضل حالاته.
فمثلًا يمكن لمؤسسة خدمية رصد انخفاض محتمل في رضا المتعاملين بناءً على بيانات سابقة واتخاذ إجراء تصحيحي مسبق قبل ظهور الأثر الفعلي في حين يقوم التميز التنبؤي بتعزيز دقة التخطيط وفعالية توزيع الموارد ويمنح المؤسسة قدرة فريدة على التكيف مع التغيّرات دون أن تفقد فعاليتها التشغيلية أو استقرارها الاستراتيجي.
المحور الثالث:"حوكمة البيانات : حين تقود الخوارزميات الشفافية والقرار الرشيد"
لم تعد الحوكمة المؤسسية مجرد لوائح وتقارير بل أصبحت منظومة بيانات ذكية تُبنى على قرارات مدعومة بالخوارزميات وتحليل البيانات حيث أن الذكاء الاصطناعي قادر على تحليل مئات السيناريوهات والكشف مبكرا عن اي انحرافات و وتقديم الاقتراحات والحلول المثلى بناءً على معطيات دقيقة ولكي تتمكن المؤسسات من تحقيق هذا التقدم فإنها تحتاج إلى أطر تنظيمية مرنة وسياسات واضحة لضبط الخوارزميات وضمان مساءلتها وتحقيق الفعالية والكفاءة حيث أن القرارات المعتمدة على البيانات أكثر شفافية وحيادية مما يعزز ثقة الشركاء وأصحاب المصلحة.
المحور الرابع:"الابتكار المتسارع: الذكاء الاصطناعي كقوة دافعةللتجديد المؤسسي "
لم يعد الابتكار المؤسسي خيارا إضافيا بل أصبح ضرورة للبقاء حيث يُمّكن الذكاء الاصطناعي المؤسسات من إعادة تشكيل نماذج أعمالها وتقديم خدمات أكثر مرونة وسرعة استجابةوذلك باستخدام التحليلات المتقدمة والتعلم الذاتي وهذا مايجعلها قادرة على الاستفادة من أدوات مثل التصميم التوليدي وتحليل المشاعر لتطوير منتجات جديدة وتحسين الخدمات وتكييف الاستراتيجيات بشكل سريع يواكب المستجدات . وتبدأ المؤسسات بتقييم مدى استعدادها لتبني الذكاء الاصطناعي من خلال أدوات قياس النضج الرقمي ثم تحديد الأولويات وفرص التحسين التي يمكن تنفيذها بسرعة مثل أتمتة العمليات أو تحليل تفاعلات العملاء. ومن ثم رسم خارطة طريق للتحول تشمل سياسات واضحة لاستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول وضوابط تضمن الاستخدام العادل والشفاف للخوارزميات.
المحور الخامس:"رأس المال البشري في العصر الرقمي :تمكين ذكي يقود الوعي والاخلاق"
وبالنظر للواقع الحالي يمكن القول أنه مهما بلغت التقنيات من تطور ومشهد متسارع يبقى العنصر البشري في قلب كل تحول فالعنصر البشري هو من يصمّم ويشغّل ويراقب ويطوّر أنظمة الذكاء الاصطناعي. حيث أن بناء ثقافة تميز رقمي يتطلب تمكين الأفراد بالمهارات الرقمية وتدريبهم بالشكل الكافي و تحفيز التعلم المستمرلديهم وغرس أخلاقيات الاستخدام المسؤول للتكنولوجيا لأن التفكير النقدي والإبداع هما العنصران اللذان يجعلانهما قادرين على قيادة أنظمة الذكاء الاصطناعي وليس مجرد تشغيلها.
إن التميز المؤسسي لم يعد مجرد ممارسة إدارية بل أصبح بنية معرفية وتكنولوجية متقدمة تتطلب رؤية متجددة وشجاعة في التغييروقيادة المستقبل جنبًا إلى جنب مع التزام أخلاقي عميق.حيث اصبح الذكاء الاصطناعي اليوم ليس مجرد أداة بل هو شريك استراتيجي يعيد صياغة الأداء المؤسسي ويقود الابتكار ويعزز الحوكمة الذكية لتصبح المؤسسات أكثر قدرة على التكيف والاستباق لا مجرد الاستجابة لذا يجب أن تدرك المؤسسات ذلك مبكرًا لكي تواكب المستقبل لا بل ستكون هي من يحدد ملامحه.