أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة جامعات دين مغاربيات خليجيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

الكردي تكتب: الدنيا لم تعد كما كانت.. ولا نحن


جوان الكردي

الكردي تكتب: الدنيا لم تعد كما كانت.. ولا نحن

مدار الساعة ـ

div>لم تعد الدنيا كما كانت.. شيء ما انكسر في الطريق، أو أشياء، تغيّر فجأة أو تغيّر شوي شوي، ونحن مشغولون نلهث وراء لقمة العيش، لم ننتبه إلى أن الدفء انسحب من تفاصيل حياتنا، وأن الطيبة تراجعت، وأن الناس تغيّرت.

زمان، كانت الحياة أبسط وأجمل، فيها دفء، فيها ناس تحب بعضها بعضا، تسأل، تزور، تتسامر وتتحاكى. الجيران كانوا أهلا، والأبواب مفتوحة، والمناسبات كانت تجمع الجميع، الكبير والصغير، من غير دعوة رسميه ولا رسائل واتساب. واحدنا يشتغل ويؤوب ليجد فسحة من الوقت، يجالس مع اهله، يشرب الشاي مع جاره، يطمئن على صديقه، يقرأ جريدة، يضحك من قلبه.
الراتب كان قليلا، بالكاد يكفي. البركة كانت تملأ البيوت، والسعادة بسيطة.. سهلة المنال. نضحك على نكتة أو نحول موقفا ما فسحة للضحك والتبسم والتندر، ونفرح بجلسة عفوية، ونسهر على صوت أم كلثوم، ما كنا نحتاج كثيرا حتى نكون مرتاحي البال.
اليوم؟ كل شي تغيّر.
الناس صارت مشغولة بالكامل في أشياء.. وفي اللاشيء.. متوترة، الجار لا يعرف اسم جاره، الزيارات صارت ثقيلة، والسواليف معدومة أو ممجوجة. أغلبنا يعيش عزلة، داخل بيته، داخل نفسه، أمام شاشته. نصحو على خبر حرب، وننام على نبأ جريمة، وفي منتصف النهار.. أو آخره.. أو بعد أيام.. نعرف أن صديقا أو قريبا مات فجأة، من سكتة أو مرض غريب.
الحياة صارت تركض بنا، ونحن نجري وراءها بلا جدوى. البطالة خنقت الشباب، أحلامهم تكلست أمام أبواب الشركات المغلقة. الناس تعبت... الأب مش عارف كيف يسد القسط، والأم قلقة من فواتير الشهر الجاري والآتي، والمتقاعد قاعد.. يعد الساعات والأيام وهو لا يعرف ماذا يعمل.
الراتب يتآكل، الأكل غالٍ، البنزين غالٍ، الكهرباء.. الماء.. الخبز، حتى الدواء غال. أناس يشتغلون ليل نهار فقط حتى تظل واقفة أو صامدة، ليس حتى تعيش. الرفاه صار كلمة محذوفة من قاموس الحياة.
وفي وسط هذا كله، الحروب حولنا، القصف مشهد يومي، الدمار صار عاديا. أطفال تموت، بيوت تتهدم، قلوبنا لا تستطيع أن تستوعب كل هذه المآسي. حتى الأمان اختفى.. لا شارع آمن، ولا فكرة مريحة، ولا نوم هادىء.
والأخطر إن الحب غاض. الإنسانية والرحمة جفّتا. صار كل شيء يقاس ويعاش بالمصلحة، المادة والنفعية تسيدتا، حتى الكلام الجميل بات نادرا، والمشاعر لا تعرف إلا التعب.
لا نعلم "إذا فينا نرجع نعيش زي زمان"، ولا إذا الزمان نفسه يسمح لنا بذلك. غير أن الأكيد أننا اشتقنا؛ اشتقنا للأيام التي كان لها طعم، كان فيها ناس تضحك من قلبها، وتحب من قلبها، وتسأل عنك ليس لمصلحة، وإنما لأنها تحبك.
قد لا نقدر أن نُرجِع الماضي.. أو يرجع إلينا، لكن.. قد نستطيع أن نوقف ولو قليلا.. أو نبَطّىء ولو نزرا يسيرا من غلواء الحاضر القاتم.. بأن نحب أكتر، نحكي أكتر، نسأل أكتر، نقول لبعضنا بعضا "اشتقتلك" من قلبنا.
لأن بوسط كل هالركض، ما بدنا ننسى إننا بشر ولسه فينا نكون طيبين، حتى لو الدنيا تغيّرت.
مدار الساعة ـ
story