في مفاجأة لم تكن متوقعة لكثير من المتابعين، أعلنت كل من إيران وإسرائيل عن إنهاء الأعمال العدائية بعد سلسلة من التصعيدات الدامية التي هددت بتوسيع رقعة الصراع في الشرق الأوسط. لكن سرعان ما تحوّلت الأنظار من الإعلان عن نهاية الحرب إلى التساؤل عن بدايتها وجدواها، بل وحتى عن مدى “واقعيتها”. فهل كانت الحرب الحقيقية على الأرض، أم أن ما جرى كان مجرد مسرحية سياسية محبوكة بدقة؟
منذ اندلاع التوترات الأخيرة، بدا أن هناك خطوطًا حمراء لم تُكسر. لم تتورط إسرائيل في هجوم شامل داخل العمق الإيراني، ولم تستهدف إيران تل أبيب مباشرة. وحتى عندما قُصفت منشآت أو وقعت اغتيالات، كانت الضربات “محدودة” و”مضبوطة الإيقاع”، لا تشبه نمط الحروب المفتوحة.
عدد من المحللين يشيرون إلى أن ما جرى كان بمثابة “تصعيد محسوب” بين الطرفين، يضمن الحفاظ على التوتر بما يخدم المصالح السياسية لكل جانب، دون الدخول في حرب شاملة لا يريدها أحد.
وفي قلب هذا التساؤل، يبرز السؤال الأهم: من استفاد من هذه الحرب؟
القيادة الإيرانية وجدت في التصعيد وسيلة لحشد الداخل، خاصة وسط أزمات اقتصادية متفاقمة وعزلة دبلوماسية. الحرب تتيح دائمًا تأجيل الملفات الداخلية ورفع سقف الخطاب الثوري.
الحكومة الإسرائيلية كذلك وجدت في “الخطر الإيراني” ذريعة لتعزيز التحالفات الأمنية، وتمرير سياسات داخلية مثيرة للجدل وسط التفاف وطني.
أما القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، فقد لعبت دورًا أكثر تعقيدًا مما يبدو على السطح.
دور الولايات المتحدة: عرّاب التوازن أم مخرج المسرحية؟
رغم ما يبدو من تناقضات في السياسة الأميركية تجاه طهران وتل أبيب، إلا أن دور واشنطن في إدارة هذا النزاع كان محوريًا — سواء على مستوى الغرف المغلقة أو عبر الرسائل الدبلوماسية “غير المباشرة”.
الولايات المتحدة، التي لطالما قدمت نفسها كحليف استراتيجي لإسرائيل وعدو لدود لإيران، لعبت في هذه الجولة دورًا مركّبًا. فبينما أكّدت دعمها لـ”حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، كانت في الوقت ذاته تحثّ على “ضبط النفس” وتُجري محادثات هادئة مع الأوروبيين والقطريين لاحتواء الموقف مع طهران.
في نظر بعض المراقبين، بدا أن واشنطن لم تكن تريد حربًا فعلية، بل حربًا مدروسة التوقيت والنتائج، تخلق حالة من إعادة الاصطفاف الإقليمي، وتُعيد واشنطن إلى قلب مشهد الشرق الأوسط بعد أن تراجع حضورها لصالح موسكو وبكين.
كما أن الإدارة الأميركية، في عام انتخابي حساس، استفادت من هذه الحرب “المضبوطة” لتمرير رسائل انتخابية داخلية؛ فالصقور حصلوا على تصعيد ضد إيران، والحمائم رأوا أن واشنطن منعت الحرب الكبرى.
لكن الأهم من كل ذلك أن الولايات المتحدة بدت وكأنها تُدير اللعبة من خلف الستار، تراقب ميدان الحرب كـ”مخرج” أكثر من كونها “حليفًا”، ما يدعم فرضية أن ما جرى ليس أكثر من مسرحية سياسية كبرى كتبتها قوى كبرى، ونفّذها ممثلو الإقليم.
من يروّج لفكرة أن الحرب كانت “مسرحية سياسية” يستند إلى عدة نقاط:
1.غياب مفاجئ للتصعيد الكامل: لا طيران إسرائيلي في سماء طهران، ولا صواريخ إيرانية تضرب العمق الإسرائيلي بشكل فعلي.
2. سرعة إنهاء النزاع: رغم اللهجة العدائية، تم التوصل إلى “تهدئة” عبر وساطات إقليمية خلال أيام، ما أثار دهشة المراقبين.
3. الاستخدام الإعلامي المفرط: تصريحات نارية، تغطيات مكثفة، صور درامية… لكن الأرض بقيت أكثر هدوءًا من المتوقع.
4. صمت بعض الأطراف المحورية: حزب الله، مثلاً، بقي على الحياد نسبياً، رغم أنه الورقة الميدانية الأقوى لإيران.
سواء كانت حرباً حقيقية أم مسرحية محكمة، فإن ما جرى لا يعني أن الصراع انتهى. بل ربما تغيّرت أدواته فحسب: من ضربات صاروخية إلى حروب إلكترونية، ومن المواجهة العلنية إلى المناوشة بالوكالة.
ما بين الحقيقة والخداع، تقف شعوب المنطقة متأرجحة بين الأمل في السلام والخوف من صراع دائم تُكتب فصوله بدماء الأبرياء.
وفي النهاية نقول ان هذه الحرب، سواء كانت لعبة سياسية أو مواجهة فعلية، هي دائماً لعبة خاسرة للشعوب. ويبقى السؤال مفتوحًا: من يكتب السيناريو… ومن يشاهد فقط.