أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة جامعات مغاربيات خليجيات دين ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

الصرايرة يكتب: الإدارة الحكومية القائمة على 'القيمة' وحكومات المستقبل.. نحو قطاع عام كفؤ وفعال


الدكتور بشار الصرايرة

الصرايرة يكتب: الإدارة الحكومية القائمة على 'القيمة' وحكومات المستقبل.. نحو قطاع عام كفؤ وفعال

مدار الساعة ـ

div>في ظل الضغوط المتزايدة على القطاع العام من حيث تحسين الكفاءة والفعالية وإدارة المال العام بكفاءة، أصبحت الحاجة مُلحّة لإعادة تصميم نماذج الإدارة الحكومية لتكون أكثر قدرة على الاستجابة للتغيرات والتوقعات المجتمعية. ويأتي في صلب هذا التحول المفاهيمي التوجّه نحو الإدارة القائمة على القيمة كبديل متطور عن الإدارة التقليدية، بهدف جعل القطاع العام أكثر كفاءة، شبيهًا بما هو معمول به في القطاع الخاص، القطاع الخاص يتميّز بقدرة عالية على التكيف، واتخاذ القرار السريع، وتحقيق النتائج من خلال أدوات رقابة صارمة، مؤشرات أداء واضحة، وحوافز مباشرة. أما القطاع العام، ورغم أهدافه النبيلة المرتبطة بالمنفعة العامة، فإنه غالبًا ما يُدار من خلال أنظمة تقليدية تُركّز على الامتثال والإجراءات بدلاً من النتائج. لهذا ظهرت دعوات لتبني نموذج "القيمة العامة"، كما نظّر له "مارك مور" ، والذي يؤكد أن القيمة تُقاس بما تُحدثه الجهاز الحكومي من أثر ملموس في حياة المواطنين.

نموذج الإدارة التقليدية، القائم على تسلسل الأوامر وتطبيق اللوائح، أصبح غير كافٍ في ظل تحديات العصر الرقمي.
فقد باتت الحكومات مطالبة بأن تُثبت أثرها من خلال تحسين الخدمات العامة، ورفع جودة الحياة، وتحقيق العدالة الاجتماعية بأساليب فعالة
. ومن هنا جاء مفهوم "الإدارة القائمة على القيمة"، الذي ينقل التركيز من مدخلات الإدارة مثل عدد الموظفين أو حجم الإنفاق إلى مخرجاتها مثل رضا المتعاملين، تحسين المؤشرات التنموية، وتقليص الفجوات المجتمعية ، استغلال القطاع العام كخالق الفرص.
لتنفيذ هذا التحول، لا بد من استخدام أدوات داعمة مثل: مؤشرات أداء ترتكز على النتائج، أنظمة رقابة رقمية، إشراك المواطنين في تحديد الأولويات، وبناء قيادة حكومية تركز على الابتكار والتجريب. كما تُعد الاستفادة من الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات من أبرز الوسائل الحديثة لضمان الشفافية وتحقيق الأثر.
وقد برزت نماذج ملهمة في هذا المجال: سنغافورة طبقت نظامًا صارمًا يربط الترقيات بالحصول على نتائج فعلية، بينما أتاحت إستونيا لمواطنيها تتبع المعاملات الحكومية رقمياً، مما عزز الثقة والرقابة. وفي المملكة المتحدة أنشئت وحدات متخصصة لتحليل السلوك المجتمعي بهدف تحسين السياسات العامة، و تطبيق أدوات التحول الرقمي
في مراقبة الإنفاق العام لضمان تعظيم القيمة مقابل المال. كما أن تقارير المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وماكنزي أظهرت أن غياب المساءلة الفردية، وتعدد الجهات دون وضوح في التخصصات، من أهم أسباب ضعف الأداء الحكومي. وبالتالي، فإن إصلاح القطاع العام لا يجب أن يقتصر على الأدوات، بل لا بد أن يشمل الثقافة المؤسسية ذاتها، بحيث يُصبح القادة والمسؤولون شغوفين بتحقيق أثر استراتيجي يقاس بنتائج ملموسة، لا بإجراءات منجزة.
وفي المجمل، فإن الوصول إلى قطاع عام بكفاءة القطاع الخاص لا يعني نسخ ممارساته بالكامل، بل تكييفها ضمن إطار يخدم الصالح العام
. الإدارة القائمة على القيمة هي جسر العبور إلى ذلك، حيث تكون الحكومة مسؤولة عن خلق تجربة خدمية ذات أثر، مدفوعة بالبيانات، محكومة بالنتائج، ومبنية على الثقة المتبادلة مع المجتمع.وهكذا، تصبح حكومات المستقبل قادرة على تحويل مواردها إلى إنجازات حقيقية، وتتحول من مؤسسات تنفيذية إلى كيانات استراتيجية تُحدث فرقًا حقيقيًا ومستدامًا في حياة الناس. ومن بين التجارب الرائدة في هذا المجال، تبرز تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة، التي وضعت نموذجًا متقدمًا في تصميم "نماذج جاهزية حكومات المستقبل". يتضمن منهجيات لتقييم جاهزية الجهات الحكومية للمستقبل عبر محاور تغطي الاستباقية، والابتكار، واستشراف التحديات، وربط الأداء الحكومي بالنتائج ذات القيمة العامة. اعتمدت الإمارات في هذه النماذج على أدوات تحليل البيانات وابتكار السياسات، مما مكّن الجهاز الحكومي من الانتقال من نماذج التشغيل التقليدية إلى ممارسات مرنة ومبتكرة. إضافة إلى ذلك، تبنت الإمارات مفهوم "المشاريع التحولية الحكومية"، والتي تُعرّف بأنها تدخلات استراتيجية قصيرة إلى متوسطة المدى تهدف إلى تحقيق أثر مباشر على المجتمع وملموس بحيث تُبنى هذه المشاريع على أربع ركائز أساسية: الرؤية الاستراتيجية، القيمة العامة، النتائج ذات الأثر ، والاستدامة. وهي مشاريع تتجاوز التغيير الداخلي نحو نتائج ملموسة يشعر بها الأفراد. هذا النموذج الإماراتي يعكس التحول من مجرد تقديم الخدمات إلى خلق منظومة حكومية متكاملة تضع "القيمة" و"الأثر" في صميم السياسات العامة، وتحول الحكومة إلى منصة تمكينية تفتح المجال أمام الشراكة، والشفافية، والابتكار الجماعي.
مدار الساعة ـ
story