يشهد الأردن أزمة تشريعية عميقة تتجلى في تضخم هائل في عدد القوانين والأنظمة، حيث تُصدر المؤسسات التشريعية عشرات النصوص القانونية دورياً بينما تتراكم القوانين القديمة دون مراجعة أو تحديث.
هذه الظاهرة التي يصفها الخبير الدستوري الدكتور عمر الجازي بـ"الفوضى التشريعية المنظمة" لم تعد مجرد إشكالية قانونية، بل تحولت إلى معضلة وطنية تؤثر سلباً على جميع مناحي الحياة.
تشير إحصاءات وزارة العدل إلى أن المملكة أصدرت أكثر من 25 ألف قانون ونظام منذ تأسيسها، وهو رقم كبير جداً مقارنة بحجم الدولة وعدد سكانها, ورغم هذا الكم الهائل من التشريعات، إلا أن العديد منها إما غير مفعل أو يعاني من تضارب صارخ مع نصوص قانونية أخرى.
كما أن نسبة كبيرة من القوانين الصادرة في العقد الأخير لم تدخل حيز التنفيذ الكامل وفقاً لبيانات ديوان الرقابة المالية، مما يعكس فجوة خطيرة بين التشريع والتطبيق.
تنجم هذه الأزمة عن عدة عوامل مترابطة، أبرزها غياب التنسيق بين المؤسسات التشريعية والتنفيذية، وضعف الدراسات المسبقة التي تقيّم أثر التشريعات قبل إقرارها، واللجوء إلى التشريع كرد فعل سريع للأزمات بدلاً من اعتماده كسياسة استراتيجية, كما يسهم تسييس العمل التشريعي وتحويله إلى وسيلة للإظهار الإعلامي في تفاقم المشكلة.
للتخمة التشريعية آثار بالغة الخطورة على الاقتصاد والمجتمع, فمن الناحية الاقتصادية، يؤدي تضارب القوانين إلى إرباك المستثمرين وتثبيط الاستثمارات، حيث تشير غرف الصناعة والتجارة إلى أن 60% من شكاوى المستثمرين تتعلق بالتعقيدات القانونية. وعلى الصعيد الاجتماعي، تضعف ثقة المواطن بالنظام القانوني عندما تصبح التشريعات متداخلة ومتعارضة يصعب فهمها أو تطبيقها.
أما على مستوى الأداء الحكومي، فإن الإدارة العامة تعاني من إرهاق واضح نتيجة محاولة تنفيذ قوانين متعارضة أو غير واضحة، مما يؤدي إلى شلل في الخدمات وتراكم القضايا في المحاكم, كما أن إهدار الموارد على قوانين غير قابلة للتطبيق يمثل عبئاً مالياً إضافياً على خزينة الدولة.
مواجهة هذه الأزمة تتطلب إرادة سياسية حقيقية وإصلاحاً شاملاً للمنظومة التشريعية. ويبدأ الحل بإجراء مراجعة شاملة للقوانين النافذة تقضي بإلغاء المتكرر والمتعارض منها، واعتماد سياسة "الشمس التشريعية" التي تربط إصدار أي قانون جديد بإلغاء قانونين قديمين على الأقل. كما يتطلب الأمر إنشاء هيئة وطنية دائمة للإصلاح التشريعي تضم خبراء متخصصين من مختلف القطاعات.
مع ملاحظة أن التشريع الإسلامي الذي يقولون عنه انه غير مناسب , لا يمكن أن يشرّع قانون جديد او نظام جديد او أي شيء جديد , الا بإلغاء القديم او تعديله أو بالتوافق معه ( مبدأ نسخ القوانين القديمة , او اطلاقها او تقييدها او تفسيرها ) .
الارتقاء بجودة التشريع يقتضي أيضاً إلزامية إجراء دراسات الجدوى وتقييم الأثر قبل إقرار أي قانون جديد، مع مشاركة واسعة من القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني في عملية الصياغة. ولا بد من تعزيز التنسيق بين السلطات التشريعية والتنفيذية لضمان مواءمة القوانين مع الواقع العملي.
ختاماً، لم يعد مقبولاً الاستمرار في نهج التخمة التشريعية الذي يحوّل النظام القانوني من أداة لتنظيم المجتمع إلى عبء يعيق التنمية, فالإصلاح التشريعي الجذري لم يعد خياراً، بل ضرورة وطنية ملحة لبناء دولة القانون والمؤسسات التي ننشدها,كما قال الفقيه الفرنسي مونتسكيو: "القانون السيء أسوأ من انعدام القانون"، وهو ما ينطبق تماماً على حالة التخمة التشريعية التي نعيشها اليوم
استشهدت بالفقيه الفرنسي كرهاً وليس حباً , وذلك أن جماعتنا لا يعتبرون إلا ما يصدر عن اوروبا وامريكا تحديدا , والا لدينا الاف الفقهاء للاستشهاد , ولكن مجبر لا مخيّر .