div>في البلادِ التي اعتادت أن تبتسمَ رغمَ الخيبات، وفي الأزقّةِ التي تروي جدرانُها حكاياتٍ صامتة، يسيرُ الفقرُ بين الناسِ بلا استئذان، يجلسُ على موائدهم بلا دعوة، ويصعدُ إلى أسطحِ أحلامهم فيكسرُ منها ما شاء.
الأردن، ذاك الوطنُ الطيّبُ بأهله، المُتعبُ بظروفه، لم يَعُدِ الفقرُ فيه رقماً يُدوَّنُ في تقريرٍ سنويّ، ولا نسبةً تُتلى في نشراتِ الأخبار، بل أصبح وجعاً يوميّاً، يتسلّلُ من ثقوبِ الجيوبِ الخاوية، ويُدوّي في صمتِ البطونِ الجائعة.
لقد أصبح الحديثُ عن الوضعِ الاقتصاديّ في الأردن وجعاً مشتركاً، يتقاسمه الناسُ كلَّ صباح، بين مَن يخرجُ باكراً يبحثُ عن رزقهِ في سوقٍ ضيّق، ومَن ينامُ ليلاً على أملِ وظيفةٍ لم تأتِ، أو رغيفٍ مُؤجّلٍ في دفترِ دكّان.
ارتفعتِ الأسعار، وازدادت الضرائب، وضاقت الأرزاق، وأصبحت أساسياتُ الحياةِ من مأكلٍ وملبسٍ وتعليمٍ وعلاجٍ أحلاماً مؤجّلة، وأهدافاً بعيدة المنال.
فاتورةُ الكهرباءِ تُشعلُ القلوب، لا المصابيح، وفاتورةُ الماءِ تُغرقُ الأحلام، لا العطش.
راتبٌ يُستهلكُ قبل أن يصل، ومصاريفٌ تتكاثرُ كأنها لا تخضعُ لقانون.
ورغمَ الجهودِ المعلنة، والمبادراتِ الموسمية، إلا أنّ فجوةَ الفقرِ تتسعُ يوماً بعد يوم، والطبقةُ الوسطى، التي كانت تُمسكُ بميزانِ المجتمع، تتآكلُ بصمتٍ حتى كادت تتلاشى.
الشبابُ، وهم وقودُ المستقبل، باتوا على الهامش، يتخرّجون بأملٍ ويصطدمونَ بجدارِ الواقع، تتبخّرُ طموحاتُهم في عتمةِ البطالة، وتذبلُ مواهبُهم خلفَ أبوابٍ لا تُفتح.
ومع كلّ ذلك، ما زال الأردنيُّ يبتسم، يضحك، يَصبر، ويقول: "الله كريم".
شعبٌ صامدٌ رغم الألم، كريمٌ رغم قلّة ذات اليد، نبيلٌ رغم قسوةِ الظروف، وطنيٌّ حتى وهو يئنّ من ضيقِ الحال.
لكن الحقيقةَ تبقى: لا يُمكنُ أن ينهضَ وطنٌ وأغلبُ شعبِه ينهضُ فقط ليُقاتلَ من أجلِ البقاء، لا من أجلِ التطوّر.
الوطنُ لا يُبنى بالخُطب، ولا يُدارُ بالأمنيات، بل بالعدل، بالكرامةِ المعيشية، بإصلاحٍ حقيقيٍّ لا يُهادنُ ولا يُجامل.
ونُناشدكَ يا سيدي الملك عبد الله الثاني، يا ابنَ الحسين، يا صوتَ الناس حين يصمتون...
يا مَن عرفناكَ قريبًا من نبضِ الشارع، شجاعاً في المواقف، مُنحازاً دوماً إلى الشباب، وإلى الفقراء، وإلى أولئك الذين لا صوتَ لهم إلا آهاتُهم...
نُخاطبُكَ لأننا نعلمُ أنك الأقربُ إلى هذا الشعب، وأنك وحدكَ القادرُ على تغييرِ المعادلة.
ما عدنا نثق بوزيرٍ يُجمّلُ الحقيقة، ولا بنائبٍ يبيعُ الكلامَ في موسمِ الانتخابات، ولا بعضوِ أعيانٍ لا يعرفُ عن الشعبِ شيئاً.
نُريدكَ أنت، يا سيدي، لأنك وحدكَ من يستطيعُ أن يضعَ حدّاً لهذا الانحدار، ويمنحَ الشعبَ ما يستحقّه من كرامةٍ، وأملٍ، وعدالةٍ في الحياة.
لا نطلبُ المستحيل، نطلبُ أن نعيشَ فقط بكرامة.
أن نأكلَ من عرقِ جبيننا لا من صدقاتِ الحاجة.
أن نرى أبناءَنا يعملونَ في وطنهم لا خارجه.
أن نَحيا دون أن يُثقِلنا الدين، ودون أن نختنقَ في زحمةِ الفواتير.
سيدي الملك...
الشعبُ تعب، وصبرُه على وشكِ النفاد، فلا تتركه بين أيدي من لا يَشعر، ولا تُسلمه لألسنةٍ لا تعرفُ إلا التبرير.
نرجوكَ أن تَرعَى بنفسِك هذا الملفّ، أن تَسمَع من الناسِ لا عنهم، أن تَحسِمَ كما تفعلُ دائمًا حين تَشتدّ الأمور.