أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية شهادة مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف جامعات خليجيات دين مغاربيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

العشوش يكتب: غياب التمثيل الحقيقي في بلديتي الأغوار الجنوبية وغور المزرعة.. تحدٍّ أمام مسار التحديث الملكي


محمد راشد العشوش

العشوش يكتب: غياب التمثيل الحقيقي في بلديتي الأغوار الجنوبية وغور المزرعة.. تحدٍّ أمام مسار التحديث الملكي

مدار الساعة ـ

div>رغم الخطوات المتقدمة التي يشهدها الأردن في إطار مشروع التحديث الشامل الذي أطلقه جلالة الملك عبد الله الثاني، لا تزال بعض المناطق، كالأغوار الجنوبية وغور المزرعة، تعاني من غياب ملموس في التمثيل الحقيقي داخل المجالس البلدية ومجلس المحافظة، ما يطرح تساؤلات جدّية حول مدى تحقيق العدالة التمثيلية ومشاركة فئات المجتمع كافة في صنع القرار.

تضم منطقتا بلدية الأغوار الجنوبية وبلدية غور المزرعة والحديثة ما يقارب 70 ألف نسمة، يشكّلون نسيجًا مجتمعيًا غنيًا بفئاته المتعددة من شباب، ونساء، وذوي احتياجات خاصة، إلا أن الواقع الحالي يكشف عن غياب شبه تام لهذه الفئات في لجان المجلس البلدي والمجلس المحلي، إذ لا يوجد أي عضو مجلس محافظة منتخب أو معين يمثل هذه الشرائح، وهو ما يتنافى مع المبادئ التي دعت إليها الرؤية الملكية للتحديث السياسي والإداري.
جلالة الملك، وفي أكثر من مناسبة، أكد أهمية مشاركة الشباب وتمكين المرأة ودمج ذوي الإعاقة في العملية السياسية، انطلاقًا من إيمانه بأن التنمية لا تُبنى من خلال النخب التقليدية وحدها، بل عبر توسيع قاعدة المشاركة الشعبية، خاصة من الفئات التي كانت مهمّشة لعقود. ومع ذلك، فإن المجالس المحلية في هذه المناطق ما زالت تُدار بذات العقلية القديمة، بعيدة عن روح التجديد والمشاركة المجتمعية الفاعلة.
اللافت أن هذا الغياب لا يعكس فقط خللاً في التمثيل، بل ينعكس بشكل مباشر على شكل الخدمات المقدمة، وطبيعة المشاريع المطروحة، وآليات اتخاذ القرار. فغياب صوت الشباب عن طاولة النقاشات البلدية يُفقد المجالس رؤية متجددة وحلولًا عصرية تتوافق مع احتياجات هذه الفئة الأكبر في المجتمع. كما أن عدم تمثيل السيدات يحرم المجتمعات المحلية من وجهات نظر مختلفة وشراكة حقيقية في بناء السياسات المحلية، في الوقت الذي تُظهر فيه الإحصاءات أن النساء يشكّلن نسبة كبيرة من الكتلة السكانية في المنطقة، ويُعتمد عليهن بشكل كبير في التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
أما ذوو الاحتياجات الخاصة، فقصتهم أكثر إيلامًا، إذ لا يوجد من يمثلهم في أي من المجالس أو اللجان، رغم وجود ما يزيد عن 300 حالة موثقة في المنطقة، وفقاً لبعض الجمعيات المحلية. هذا الغياب يجعل قضاياهم في أسفل أولويات المجالس، إن لم تكن غائبة تمامًا، ما يؤثر على نوعية الخدمات المقدمة لهم، ويفاقم من معاناتهم اليومية دون أن يجدوا من يرفع صوتهم أو يعبر عن احتياجاتهم.
الواقع الحالي دفع العديد من أبناء الأغوار إلى التعبير عن استيائهم، مؤكدين أن التمثيل الحالي لا يعكس تطلعاتهم ولا يتماشى مع متطلبات العصر، وأن غياب هذه الفئات هو تهميش ممنهج يعيدهم إلى هامش الحياة السياسية، ويخلق فجوة متزايدة بين المواطن والحكومة. كما أشاروا إلى أن ترك الأمور بيد نخبة محدودة، دون تنويع تمثيلي حقيقي، يُضعف ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة ويكرّس الانطباع السلبي حول جدية الإصلاحات المطروحة.
من هنا، تظهر الحاجة الملحّة لإعادة النظر في آليات تشكيل المجالس البلدية والمحافظة في هذه المناطق، وإيجاد صيغ قانونية واضحة تضمن تمثيل الشباب والنساء وذوي الإعاقة، سواء من خلال التعيين المباشر أو عبر تخصيص مقاعد مضمونة لهذه الفئات. فالمشاركة ليست منّة أو خياراً سياسياً، بل هي حق دستوري وإنساني يجب أن يُصان ويُترجم إلى واقع.
في نهاية المطاف، لا يمكن الحديث عن “تحديث سياسي وإداري” في أي منطقة من الوطن، دون أن يكون هناك تمثيل حقيقي وشامل لكل فئات المجتمع. ولا يمكن إقناع الشباب بالمشاركة في العمل العام، إذا لم يشعروا بوجودهم في مراكز القرار. كما لا يمكننا بناء مجتمع متماسك دون تمكين النساء من لعب دورهن في الشأن المحلي، أو تجاهل ذوي الإعاقة وتركهم دون صوت أو تمثيل.
صوت الأغوار الجنوبية وغور المزرعة اليوم ليس فقط صوت احتجاج على غياب التمثيل، بل هو صرخة مطالبة بالعدالة، ونداء صادق لتنفيذ ما جاء في رؤية جلالة الملك، وتحويلها من شعارات إلى خطوات فعلية على أرض الواقع. فهل ستلتقط الحكومة هذا النداء
محمد راشد العشوش
مدار الساعة ـ
story