أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة شهادة مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف جامعات خليجيات دين مغاربيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

بوصلة القيم في يد المعلّم: نحو جيلٍ رقميٍّ رشيد


إياد يوسف البستنجي

بوصلة القيم في يد المعلّم: نحو جيلٍ رقميٍّ رشيد

مدار الساعة ـ
في زمنٍ باتت فيه المعرفة متاحةً بضغطة زر، وأصبح الطالب محاطًا بمصادر رقمية لا تُحصى، تغيّرت وظيفة المعلم جذريًا. لم يعد دوره مقتصرًا على نقل المعلومات، بل غدت مسؤوليته الأهم ترسيخ الوعي القيمي، ومرافقة الطالب في رحلته داخل العالم الرقمي، ليكون إنسانًا متزنًا في فكره، مستقيمًا في سلوكه، نقيًا في قلبه.
وفي هذا السياق، نستحضر قول الله تعالى:
﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ ﴾ سورة آل عمران: 104 .
فالتربية والتعليم رسالةٌ ساميةٌ، تتجاوز حدود المعرفة إلى بناء الإنسان المؤمن، المعتزّ بقيمه، والحامل لرسالة الإصلاح في الأرض.
أولًا: لماذا تغيّر دور المعلّم؟
تقدّمت التكنولوجيا، وفتحت للطلبة أبواب المعرفة من كل حدب وصوب، فأصبحوا يتعلمون من:
فيديوهات تعليمية على المنصات الرقمية.
تطبيقات ذكاء اصطناعي تقدّم حلولًا فورية.
مجتمعات افتراضية يتبادلون فيها المعلومات والتجارب.
وهنا لم يفقد المعلّم أهميته، بل ازدادت، لأنه وحده القادر ـ بعقيدته وأخلاقه ـ على غرس البوصلة الأخلاقية، وتمييز النافع من الضار، والحق من الباطل، وسط هذا الطوفان المعلوماتي.
ثانيًا: المعلم في زمن الذكاء الاصطناعي... صانع وعي قيمي
ليكون المعلم فاعلًا في بيئة رقمية، عليه أن يُعيد تشكيل أدائه:
▪من مُقدّم للمعلومة إلى مُربٍّ للقيم.
▪من منفذ للمنهاج إلى قائد تربوي يُلهم السلوك.
قال رسول الله ﷺ:
"إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
فالمعلم المسلم يقتدي بنبيه، ويجعل من الحصة الصفية محرابًا تربويًا لبناء القيم، لا مجرد تلقين للمعارف.
ثالثًا: مهارات المعلم القيمي في العصر الرقمي
لكي يمارس المعلم دوره كصانع وعي، لا بد أن يتحلى بمهارات أساسية، منها:
1. التمكّن من التكنولوجيا: لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT، Canva، أدوات الواقع المعزز في خدمة القيم الإسلامية.
2. دمج القيم في الدروس: كربط مفاهيم الأمانة والصدق والإحسان بمواضيع مختلفة، كالرياضيات والعلوم واللغة العربية.
3. الوعي بمخاطر المحتوى الرقمي: وتوجيه الطلاب إلى التمييز بين المحتوى السليم والمنحرف، وتقييمه من منظور أخلاقي وشرعي.
4. القدوة العملية: فالمعلم بسلوكه وتعامله وعدله وتقواه، يُشكّل النموذج الذي يُترجم القيم واقعًا حيًا.
رابعًا: كيف يُعيد المعلم بناء الوعي القيمي؟
بالحوار الواعي: من خلال فتح نقاشات تربوية حول سلوك الطالب الرقمي، كأدب التعليق، وخصوصية النشر، وأثر الكلمة.
بالمشاريع الصفية: مثل إعداد عروض حول "أخلاقيات الذكاء الاصطناعي" أو "الهوية الرقمية للمسلم".
بالتوجيه غير المباشر: كعرض محتوى إيجابي، وقصص مؤثرة من واقع الإنترنت تُعزز معاني الصدق، العفة، والرحمة.
قال الله تعالى:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴾ سورة الشمس: 9-10.
فالهدف الأسمى ليس تعليم العقول فقط، بل تزكية النفوس، وهي من أعظم مقاصد الشريعة.
خامسًا: دعم المناهج لهذا الدور
لكي ينجح المعلم في أداء رسالته، لا بد أن تدعمه المناهج من خلال:
إدراج محتوى واقعي يعالج قضايا أخلاقية رقمية، كالخصوصية، والابتزاز الإلكتروني، والهوية الرقمية.
تعزيز الأنشطة الصفية ذات البُعد التطبيقي القيمي.
توفير وحدات تدريبية للمعلمين بعنوان: "التربية الرقمية بالقيم الإسلامية"، و"الذكاء الاصطناعي من منظور أخلاقي".
سادسًا: نماذج ملهمة
في ماليزيا، أطلقت وزارة التعليم برنامجًا وطنيًا لتدريب المعلمين على "التربية الرقمية الأخلاقية"، وربطه بالقيم الدينية.
في مدارس عربية، بدأ معلمون دمج دروس الفقه والسيرة النبوية مع موضوعات أخلاقيات الإعلام الرقمي، مثل الأمانة في النقل، وأدب الحوار.
في الأردن، ظهرت مبادرات ناشئة لتدريب المعلمين على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في التعليم القيمي، ضمن سياق إسلامي معتدل.
إن وظيفة المعلم لم تتقلص، بل أصبحت أكثر رسوخًا وضرورة.
في زمن تصنع فيه الخوارزميات عقولًا، يبقى المعلّم هو من يصنع القلوب والعقول معًا، وهو الواسطة بين المعرفة والتزكية، ودرع الحصانة أمام الفوضى القيمية.
قال الله تعالى:
﴿ وَقُلِ ٱعْمَلُوا فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾ سورة التوبة: 105
فلنعمل جميعًا لصناعة أجيالٍ رقمية، لكن بإيمانها، وبصيرتها، وخلقها، تُسهم في بناء أمة راشدة.
مدار الساعة ـ
story