أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة جامعات دين مغاربيات خليجيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

حدادين يكتب: النهج الأردني في مواجهة التطرف


المحامي الدكتور يزن دخل الله حدادين

حدادين يكتب: النهج الأردني في مواجهة التطرف

مدار الساعة ـ
عندما أتمعن في الطريقة التي يتعامل بها الأردن مع الجماعات المتطرفة وأصحاب الأجندات الأيديولوجية، أجد نفسي أمام نموذج فريد من الانضباط والهدوء في زمن تتسابق فيه دول كثيرة إلى ردود الفعل العنيفة. الدولة الأردنية لا تلاحق الظاهرة من طرفها الأمني فقط، بل تتعامل معها كمسألة مجتمعية، فكرية، ونفسية في آنٍ واحد. وهذا في رأيي ما يجعل استراتيجيتها أكثر نضجًا وفاعلية على المدى البعيد.
إذا حاولت استشراف ما ينتظر الأردن على صعيد الأمن الداخلي، خاصة فيما يتعلق بالتيارات المتطرفة، فإن المؤشرات كلها تسير باتجاه انحسار واضح لهذه الظواهر. ليس لأن الخطر زال نهائيًا، ولكن لأن قدرة الدولة على التعامل معه أصبحت أكثر وعيًا وعمقًا. الأردن اليوم لا يكتفي برصد التحركات أو إحباط المخططات، بل يعمل على قطع الطريق على هذه الجماعات من الأساس، عبر بناء مناعة وطنية تبدأ من المدرسة وتنتهي بالمؤسسات الدينية والإعلامية.
أتوقع، من واقع متابعة هذا المسار، أن تصبح هذه الجماعات في موقع دفاع مستمر، وأن تواجه صعوبة أكبر في التجنيد والتأثير. المجتمع الأردني بطبيعته متماسك، يرفض العنف، ويملك إحساسًا عاليًا بالانتماء للدولة. ومع تزايد الوعي الجمعي حول خطر التطرف، سيكون من الصعب على أي جهة أيديولوجية متطرفة أن تجد بيئة حاضنة كما في الماضي. لقد تغيّر المزاج العام، وأصبحت الشعارات التي تلبس لبوس المظلومية أو القداسة لا تقنع أحدًا كما كانت تفعل في فترات سابقة.
كذلك، لا يمكن تجاهل أن الأردن يطوّر أدواته بشكل مستمر؛ الأجهزة الأمنية لم تعد تكتفي بالرد، بل تبادر وتبني معرفة دقيقة عن سلوك وتفكير وتكتيكات هذه الجماعات. ما كان يُعدّ تحديًا صعبًا قبل سنوات، بات اليوم تحت السيطرة بفضل هذا العمل المتراكم. وهناك ما يشير بوضوح إلى أن السنوات المقبلة ستشهد مزيدًا من التنسيق بين الدولة والمجتمع في تحصين الداخل، وإشراك قطاعات الشباب والتعليم والإعلام في إنتاج خطاب مضاد يقطع الطريق على كل محاولة للاختراق الفكري.
أعتقد أيضًا أن الدولة ماضية في توسيع أدواتها الناعمة في التعامل مع المغرَّر بهم. وهذا يعكس ليس فقط ثقة، بل ذكاء في إدارة الملف. من يتم إعطاؤه فرصة للعودة والاندماج سيسحب من التنظيمات أحد أهم أسلحتها: الإحساس بالنبذ والمظلومية. وهذا بحد ذاته يضعف بنية هذه الجماعات، ويجعلها أقل قدرة على الصمود في مواجهة دولة تملك من الصبر ما يكفي، ولكن أيضًا من العدل ما يُقنع.
بناءً على هذا كله، أرى مستقبل الأردن الأمني يتجه نحو مزيد من الاستقرار والتماسك. الجماعات المتطرفة، وإن حاولت أن تتكيّف أو تتخفى، إلا أنها محاصرة من كل الجهات: مجتمعيًا، فكريًا، وأمنيًا. ومع استمرار الدولة في هذا النهج المتوازن – الصارم من دون ظلم، والمرن من دون تفريط – فإن أي تهديد داخلي سيظل محدودًا، ظرفيًا، وسهل الاحتواء. الأردن لا يردّ بانفعال، بل يُدير التحديات بثقة نابعة من تاريخ طويل من الحكمة والاتزان، وهذا ما يجعلني مطمئنًا إلى أن الغد سيكون أكثر أمانًا، لا لأن التهديدات ستختفي، بل لأن الدولة أصبحت قادرة على نزع جذورها قبل أن تنمو.
مدار الساعة ـ
story