منذ الإعلان عن نهاية النظام السابق في سوريا، ومع بروز رغبة النظام الجديد في تأمين عودة اللاجئين إلى وطنهم، ظهرت جملة من التحديات التي حالت دون تحقيق هذه الرغبة بشكل فعّال. فرغم التصريحات الرسمية المتكررة، ما تزال العودة الطوعية للاجئين تصطدم بعقبات سياسية واقتصادية واجتماعية ولوجستية، تجعل اتخاذ هذا القرار أمرًا بالغ التعقيد والصعوبة لكثير من الأسر السورية.
ففي الأشهر الأخيرة، برزت عدة معوّقات أمام العودة، كان من أبرزها وجود الطلبة على مقاعد الدراسة في المدارس والمعاهد والجامعات، بالإضافة إلى استمرار بعض اللاجئين في تلقي العلاج أو استكمال برامج دراسية ومنح أكاديمية. كما أن ارتباط البعض بوظائفهم أو مشاريعهم حال دون إمكانية مغادرتهم المفاجئة. يُضاف إلى ذلك أن عددًا كبيرًا من اللاجئين ما زال يعتمد على الكفالات أو المساعدات الإنسانية التي تضمن له حدًا أدنى من الاستقرار المعيشي.
ولا يمكن إغفال الأبعاد النفسية والاجتماعية المرتبطة باللجوء الطويل؛ فقد أمضى الكثير من اللاجئين أكثر من 13 أو 14 عامًا في دول اللجوء، ما أدى إلى نشوء نمط حياة مستقر إلى حد بعيد، بل إن جيلًا جديدًا قد وُلد ونشأ في تلك البلدان، وارتبط بها من خلال العلاقات الاجتماعية والمصاهرة وفرص التعليم والعمل، الأمر الذي عزز من رغبته في البقاء.
ومن المهم التأكيد أن قرار العودة لا يُتخذ بسهولة، فالعائد يدرك أن مغادرته لبلد اللجوء قد تكون نهائية، يجعله أمام خيار مصيري محاط بعدم اليقين، ويفتقر إلى الضمانات الكافية من حيث الأمن والاقتصاد وسبل العيش.
ورغم هذه الصعوبات، اتخذ بعض اللاجئين قرارهم بالعودة، غير أنهم اصطدموا بعوائق لوجستية حالت دون تنفيذ هذا القرار. لذا، وفي ضوء هذه التحديات، نعرض فيما يلي عددًا من المقترحات التي من شأنها تسهيل العودة الطوعية:
1. تأسيس هيئة رسمية تتولى تنظيم وإدارة ملف العودة الطوعية، أو تفويض جهات مختصة تكون مهمتها تذليل العقبات أمام اللاجئين الراغبين في العودة، وتقديم الدعم الفني واللوجستي لهم.
2. عقد مؤتمر دولي أو إقليمي يضم الدول المعنية والمنظمات الدولية والجهات المانحة، بهدف مناقشة الحلول الواقعية وتقديم تسهيلات لوجستية ومالية تسهم في دعم العودة الطوعية الآمنة والكريمة.
3. إنشاء مراكز استقبال داخل سوريا مهمتها تأمين احتياجات العائدين الأساسية من سكن مؤقت، وغذاء، ورعاية صحية، وذلك ضمن إطار زمني محدد لحين انتقالهم إلى مساكن دائمة.
4. إقامة قرى مؤقتة من مساكن جاهزة (كرفانات) في الداخل السوري، تُجهَّز لاستيعاب العائدين، وتوفر بيئة انتقالية منظمة تتيح لهم إعادة ترتيب أوضاعهم الشخصية والاجتماعية والاقتصادية.
5. دعوة المنظمات الدولية والجهات المانحة لإطلاق برامج تمويل ومساعدات مباشرة للاجئين العائدين، بما يخفف عنهم أعباء التكاليف، ويساعد في معالجة قضايا قانونية أو اجتماعية قد تعيق عودتهم.
إن قضية العودة الطوعية للاجئين السوريين تتطلب دراسة متأنية تضع مصلحة الإنسان في المقام الأول، وتحرص على أن يكون القرار نابعًا من قناعة حرة، وبناءً على معطيات واقعية وضمانات إنسانية حقيقية.
ومن يتابع عن قرب أو يعمل مع اللاجئين يدرك عمق الأثر النفسي الذي يعيشه هؤلاء، فهم – وإن كانوا يشعرون بالحنين إلى وطنهم – يعيشون في الوقت ذاته قلقًا من الغموض الذي يحيط بواقعهم المستقبلي في حال العودة. فالرؤية لا تزال ضبابية، والمجهول حاضر بقوة، ما يعزز شعور التردد والحذر.
وإلى أن تتضح الرؤية وتُهيأ الظروف الملائمة، سيبقى الأردن – كما كان دائمًا – وطنًا كريمًا يحتضن الأشقاء، وبيتًا دافئًا لكل من اضطرتهم ظروف الحرب والنزوح، وملاذًا آمنًا يؤمن لهم الكرامة والأمن والاستقرار.