أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مختارة تبليغات قضائية مقالات أسرار ومجالس مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة جامعات دين مغاربيات خليجيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

البستنجي يكتب: التربية الرقمية في المناهج المدرسية: صرخة في وجه صمت المناهج


إياد يوسف البستنجي

البستنجي يكتب: التربية الرقمية في المناهج المدرسية: صرخة في وجه صمت المناهج

مدار الساعة ـ
? أولًا: ما الفرق بين التعليم الرقمي والتربية الرقمية؟
في زمنٍ أصبحت فيه الشاشات امتدادًا لحواسنا، وأضحى العالم الرقمي بيئة يعيش فيها أبناؤنا يوميًا، يَحسُن بنا التمييز بين مفهومين متقاربين في المظهر، متباينين في الجوهر:
? التعليم الرقمي:
هو استخدام التكنولوجيا الحديثة والمنصات الرقمية في تقديم المحتوى الدراسي، مثل الحواسيب، وألواح العرض الذكية، والفصول الافتراضية، والتطبيقات التعليمية.
? التربية الرقمية:
ليست مجرد مهارات تقنية، بل هي بناء وعيٍ أخلاقي وفكري تجاه الفضاء الرقمي، وتشمل:
التفاعل المسؤول مع المعلومات.
التمييز بين الحقائق والإشاعات.
احترام الآخر في العالم الافتراضي.
استخدام التكنولوجيا بما يعزّز القيم، لا بما يهدمها.
وقد أشار القرآن الكريم إلى قيمة التثبت من المعلومات، فقال تعالى:
﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ [الإسراء: 36]
وكأنها دعوة ربانية مبكرة في وجه الشائعات الرقمية والمحتوى المضلّل.
? ثانيًا: لماذا نصرخ اليوم؟
في عالمٍ تحوّلت فيه الشاشات إلى نوافذ على الكون، والمحتوى الرقمي إلى معلّمٍ خفيّ يتسلّل إلى العقول قبل أن تمسّه يد المعلم، تبقى المناهج المدرسية متأخرة عن الواقع الذي يعيشه الطالب كل يوم.
ويبقى السؤال الذي لم يُجب عليه بعد:
هل التربية الرقمية ضرورة تربوية، أم ترف تقني يمكن تأجيله؟
الجواب واضح:
الصمت عن التربية الرقمية هو تواطؤٌ تربويّ، وتركٌ متعمَّد للطالب في مهبّ الفوضى الرقمية، بلا بوصلة قيمية، ولا وعيٍ نقديّ يحصّنه من السقوط.
? ثالثًا: لماذا أصبحت التربية الرقمية ضرورة لا ترفًا؟
1. لأن الواقع يسبق المدرسة:
الطالب اليوم يتعلم من اليوتيوب أكثر مما يتعلم من الكتاب، ويُقلّد المؤثرين قبل أن يصغي لمعلمه. فإن لم تكن المدرسة حاضرة في هذا الواقع، فستغيب عن وجدان الطالب.
2. لأن المشكلات الرقمية تتزايد:
من التنمّر الإلكتروني، إلى الإدمان، إلى المحتوى اللاأخلاقي، إلى غياب الخصوصية… كلها تستدعي استجابة تربوية عميقة لا شعارات سطحية.
3. لأن الذكاء الاصطناعي يفرض نفسه:
ظهور أدوات مثل ChatGPT يُحتم تربية رقمية أخلاقية، لا تكتفي بتعليم المهارات، بل تؤصل للاستخدام الواعي والمسؤول.
4. لأنها جزء من "المواطنة العالمية":
كما تؤكد اليونسكو، فالتربية الرقمية ضرورة لتعزيز المسؤولية، والكرامة، والانخراط الإيجابي في المجتمع الرقمي.
? رابعًا: ما شكل التربية الرقمية المطلوبة في المناهج؟
1. دمجها في جميع المواد:
اللغة العربية: الكتابة الرقمية، التفاعل الأخلاقي في المنتديات.
التربية الإسلامية: ربط القيم الإيمانية بسلوك المسلم الرقمي.
العلوم: التحقق من صحة المعلومات، فهم الخوارزميات وتأثيرها.
2. مواقف تعليمية حياتية:
كيف تتصرف إذا تعرّضت للتنمّر الإلكتروني؟
هل يجوز نسخ مشروع من الإنترنت؟
كيف تعلّق باحترام على منشور لا تتفق معه؟
3. أنشطة رقمية واقعية:
إنشاء مدونة أو حملة توعوية.
محاكاة دور الصحفي الرقمي في كشف الإشاعات.
مناظرات طلابية حول دور الذكاء الاصطناعي في التعليم.
? خامسًا: كيف ندمجها بفعالية؟
1. تأهيل المعلمين أولًا:
لا يمكن أن يزرع المعلم وعيًا رقميًا لم يتملّكه هو ذاته.
2. إشراك الطلبة في تصميم المحتوى:
لأن الطالب ليس متلقيًا فقط، بل هو شريك في صناعة المعرفة.
3. تعاون الأسرة مع المدرسة:
فلا يمكن بناء وعي رقمي داخل المدرسة إذا كان يُهدم خارجه.
4. مرونة المناهج وتحديثها المستمر:
فالعالم الرقمي يتغيّر يومًا بعد يوم، ولا يُعقل أن تبقى المناهج ساكنة في عالم متحرك.
? سادسًا: من التحديات إلى الفرص
رغم ما يبدو من صعوبة، فإن التربية الرقمية تفتح أبوابًا واسعة نحو:
بناء شخصية رقمية أخلاقية، واثقة وناقدة.
تحويل الطالب من مستهلك سلبي إلى منتج هادف.
ربط التعليم بالحياة، والقيم بالتقنية.
وهنا تبرز الهوية الرقمية، التي لا تُبنى على المهارة فقط، بل على وعيٍ عميق ومسؤولية أخلاقية.
قال ﷺ:
"كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"
والمعلم اليوم راعٍ لعقول رقمية، تحتاج إلى التوجيه الرشيد لا مجرد الحفظ والتلقين.
✅ الخلاصة:
لسنا أمام خيار بين الرقمنة أو لا، بل أمام خيار بين رقمنة ذات ضمير، أو فوضى رقمية بلا قيم.
لم يعد إدماج التربية الرقمية ترفًا، بل أصبح واجبًا تربويًا تمليه تحولات العصر ومسؤولية الأجيال.
فمن دون وعي رقمي، تصبح التقنية خطرًا…
ومن دون قيم، يصبح الذكاء الاصطناعي وسيلةً للضياع، لا للبناء.
فلنربِّ أبناءنا ليكونوا شهودًا بالقيم في العصر الرقمي، كما قال تعالى:
﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ [البقرة: 143]
مدار الساعة ـ
story