أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مختارة تبليغات قضائية مقالات أسرار ومجالس مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة جامعات دين مغاربيات خليجيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

المعونة.. أرقام صادمة


سلامة الدرعاوي

المعونة.. أرقام صادمة

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ
صراحة، لا يمكن النظر إلى رقم يتجاوز 1.1 مليون فرد منتفع من صندوق المعونة الوطنية في نهاية عام 2024 – أي ما يعادل 13 % من سكان الأردن – على أنه مجرد إحصائية عابرة، فنحن نتحدث عن أكثر من مليون فرد، منهم 52 % إناث، و44 % أطفال، يعتمدون على دعم حكومي مباشر لتأمين الحد الأدنى من المعيشة، فهذا الرقم ليس عارًا على من يتلقى المعونة، بل هو تقييم فعلي للسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي أوصلتنا إلى هذا المستوى من الاعتماد الجماعي على الدعم.
السؤال الذي لا يمكن تجاهله: كيف يستطيع الصندوق إدارة ملف بهذا الحجم؟ من جهة، لا شك أن صندوق المعونة الوطنية أثبت قدرة تنظيمية وإدارية عالية، خصوصًا مع رفع عدد الأسر المستفيدة من الدعم النقدي والمعونات الشهرية بواقع 15 ألف أسرة جديدة ليصل مجموع الأسر المستفيدة إلى 235 ألف أسرة بحلول نهاية 2024، ومن جهة أخرى، هذا الاتساع في القاعدة المستفيدة يفرض أعباء ضخمة على موارد الصندوق، ويضع أمامنا سؤالًا جادًا: هل ما يُقدم يعد كافيا؟
الإجابة باختصار: لا، فمثلاً، برنامج المعونات الشهرية يخدم أكثر من 47 ألف أسرة تضم ما يقارب 143 ألف فرد، بميزانية شهرية لا تتجاوز 2.9 مليون دينار، فإذا قسمنا هذا الرقم على عدد الأفراد، يتبين أن متوسط الدعم الشهري للفرد لا يصل حتى إلى 21 دينارًا، فهذا رقم غير كافٍ لا للطعام ولا للدواء، ولا لتعليم أو مأوى، ولا يصنع أي فرص حقيقية للخروج من دائرة الفقر.
أما برنامج الدعم النقدي الموحد، فقد استفاد منه أكثر من 191 ألف أسرة، تشمل 974 ألف فرد، موزعين على مختلف محافظات المملكة، إذ إن أكبر نسبة استفادة كانت في العاصمة عمّان (29 %)، تليها إربد (22 %)، ثم الزرقاء (16 %)، فهذه الأرقام تعكس بوضوح تركّز الفقر في المناطق الأعلى كثافة سكانية، لكنها أيضًا تكشف عن الحاجة لتوزيع عادل للموارد ورفع سقف المخصصات.
والأمر لا يتوقف عند البرامج الدورية، فالصندوق أظهر مرونة لافتة في إطلاق برامج استجابة سريعة للأزمات، تشمل معونات شتوية، طارئة، وتأهيل جسدي، وتقديم الدعم للأسر ذات الاحتياجات الخاصة، ولكن حتى هذه البرامج تظل إسعافية لا علاجية، تعالج النتائج لا الأسباب.
اللافت أن برامج التمكين الاقتصادي، التي يفترض أن تخرج الأسر من دائرة الفقر، لم تشمل سوى 1740 مستفيدًا فقط، وهذا الرقم قليل أمام أكثر من مليون شخص بحاجة للدعم، فلا يكفي التمكين الرمزي، بل يجب توسيع نطاق التدريب، التشغيل، والمتابعة، وتحويل الدعم من إعانة مستمرة إلى فرصة دائمة.
كل هذا يحدث ضمن موازنة سنوية تبلغ 284 مليون دينار فقط، نعم، الصندوق يعمل ضمن إمكانياته، ولكن الإمكانيات نفسها بحاجة إلى مراجعة، والمطلوب هو رفع قيمة الدعم بشكل مباشر، وربط ذلك بمؤشرات المعيشة الحقيقية، بدلًا من الاكتفاء بتوسيع قاعدة المنتفعين دون تحسين نوعية الدعم.
دون تحرك جاد وحقيقي، سنبقى ندور في نفس الدائرة: توسّع في الفقر، توسّع في الدعم، لكن بلا تغيير في الواقع، وإذا لم يُعاد النظر في قيمة ما يُصرف، فالأرقام القادمة ستكون أسوأ، والفقر أعمق، والمعونة أبدية.
مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ
story