إنَّها الشخصيّةُ النَّرجسيّةُ، ذلكَ النَّوعُ من الأشخاصِ الّذينَ يَعتبِرونَ أنفُسَهُم مِحوَرَ الكَون، ويَعتبِرونَ الآخرينَ مُجرَّدَ ظِلالٍ باهِتةٍ تَدورُ حولَ تَجرُبَتِهِم الوَهميّة.

الشَّخصُ النَّرجسيُّ لا يَتواجَدُ معَ الناس، بل يَعيشُ عليهم.

يَسعى لِلحُصولِ على الإعجابِ كما يَسعى الجائعُ وراءَ الطّعام، ولا يَقبَلُ إلّا أن يكونَ في القِمّة، حتّى لو كانت تِلكَ القمّةُ مَبنيّةً على الأوهام.

ما هي المشكلة؟

النَّرجسيّةُ ليست مُجرّد "ثقةٍ زائدةٍ" كما يَعتقِدُ البعض، بل هي حالةٌ مَرَضيّةٌ خفيّةٌ، تَظهرُ في:

- التَّقليلِ من قيمةِ الآخرين، إمّا بشكلٍ علنيٍّ أو سِرّي.

- السَّيطرةِ على المُحادثاتِ وتَوجيهِها نحوَ نَفسِه.

- رَفضِ أيّ نَقدٍ أو الاعترافِ بالخطأ.

- استِغلالِ الناسِ عاطفيًّا أو فكريًّا أو ماديًّا.

- الظُّهورِ بمَظهرِ التَّفوقِ، حتّى لو كانَ زائفًا، والمُقارنةِ المُستمرّةِ نَفسَهُ بالآخرين.

المجتمعُ وتَغذِيةُ النّرجسيّة

للأسف، يُمكِنُ أن تكونَ بِيئتُنا الاجتماعيّةُ حاضنةً لهذا المرضِ دونَ أن تُلاحِظ.

عِندَما نَصفُ الطِّفلَ المُتَسلِّطَ بأنَّهُ "قويُّ الشخصيّة"، أو نَتَجاهَلُ الغُرورَ على أنَّهُ "كاريزما"، أو نُشجّعُ مَن يقومُ بإحراجِ الآخرينَ باعتباره "صادقًا"، فإنّنا نُحوِّلُ الأشخاصَ إلى نَرجسيّينَ جُدُد، ونُسهِّلُ لهم طريقَ السَّيطرةِ على حسابِ القِيَم.

في العَلاقات النَّرجسيُّ يُؤذي بِصَمت

الشَّخصُ النَّرجسيُّ في الحُبّ لا يُحبّ، بل يَمتلِك.

وفي سِياقِ العَمل، لا يَتعاوَن، بل يَستغلُّ الآخرينَ لِيُحقِّقَ نَجاحَه.

وفي الصَّداقات، يُغذِّي نَفسَه من ضَعفِ صَديقِه لِيَشعُرَ بالقُوّة.

الأكثرُ خُطورةً، أنَّ ضحيّةَ النَّرجسيِّ غالبًا ما تَشُكُّ في نَفسِها وتَلومُها، بينما هو يُجيدُ تَمثيلَ دورِ الضَّحيّة أو البَطل أو "الشَّخصِ الوحيدِ الذي يَفهَم".

المُواجهةُ ليست سَهلة

لأنَّ النَّرجسيَّ بارِعٌ في التَّلاعُب، والمُجتمعُ أحيانًا يُدعّمه لأنَّهُ يبدو "لامعًا".

لكنَّ الحَلّ يَبدأُ بالوَعي.

عِندما نَعرِفُ أنَّ التَّلاعُبَ هو تَلاعُب، وأنَّ الغُرورَ هو مَرض، وأنَّ السَّيطرةَ هي استِغلال، فإنّنا نَخطو الخُطوةَ الأُولى نحوَ التَّحرُّر.

النَّرجسيّةُ ليست قُوّة بل ضَعفٌ يَتَنكّرُ في زِيٍّ أنيق.

ومن لا يَرى في الناسِ سوى مَرايا، سَيَكسِرُهم جميعًا عِندما تَتَشوَّهُ صُورتُه في أعينِهِم.