مدار الساعة - كتب الشيخ شهاب مضفي ابووندي
في عتمة الليل، وسكون الفجر، حيث ترقُد العيون وتغفو المدن، كانت شوارع الكرامة الأردنية تشهد ملحمة لا تُنسى… فقد انطلقت عند الساعة الثانية فجراً قافلة جديدة من الخير، مكوّنة من ثلاثٍ وستين شاحنةٍ محمّلة بالمواد الغذائية والطبية والإغاثية، لتخترق الحدود لا عن ضعفٍ أو مِنّة، بل من علوّ إنساني، وشهامة هاشمية، وموقف وطني سامٍ لا يُضاهى.
لقد حملت تلك الشاحنات رسالة لا يُكتب لها إلا أن تُقرأ وقوفًا، لا بالحبر، بل بصهيل الكرامة الأردنية. إنها ليست مجرد قافلة، بل هي إعلان أردني جديد، بأن مملكة بني هاشم لا تغلق أبوابها أمام صرخة مكلوم، ولا تسدّ سمعها عن أنين الجائع، ولا تُقصر يدها عن تضميد جراح المقهورين.
وهنا… لا يمكن للتاريخ أن يتجاوز هذا الحدث دون أن يُسجّله بأحرف من نور تحت عنوان:
“في عهد عبد الله الثاني، بقيت العروبة حيّة، وبقي الشرف محفوظًا، وبقيت فلسطين في قلب القرار والسيادة”.
يا جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم، يا سليل الدوحة الهاشمية، ويا سادن العهد والميثاق، لقد أثبتّم مرة أخرى أن الملوك الحقيقيين لا يُقاسون بعدد جيوشهم، بل بوزن مواقفهم، وحرارة ضمائرهم، ورجاحة عقولهم، واتساع صدورهم للعالمين.
أيها الملك المفدى،
لقد مضت تلك القوافل فجرًا، ولكنها حملت في ظهورها مشاعل عدلكم، ووهج حكمتكم، وامتداد رؤيتكم التي ترى أبعد من الحدود، وأعمق من السياسة، وأسمى من التكتيك… رؤيتكم التي ترى الإنسان، وترى الكرامة، وترى الدين والعروبة في وجه كل طفل يتلوّى من الجوع في غزة.
ومهما تفنّنت الأقلام، وتجمّلت العبارات، فإنها تقف عاجزة أمام أن ترقى إلى مقامكم العالي، ومكانتكم السامية، وأن تترجم هيبة هذا القرار الملكي الذي جعل الأردن، مرة تلو الأخرى، ضمير الأمة الحيّ، وصوتها الباقي حين تصمت الأفواه.
لقد كان جلالة الملك عبد الله الثاني ـ حفظه الله ـ على الدوام نموذجًا فريدًا للقائد الذي لا تزعزعه العواصف، ولا تُربكه الأحداث، بل يزداد صلابةً كلما اشتدّت الأزمات، ويمضي بثباتٍ في درب الحق، لا يخشى في الله لومة لائم، ولا يُبدّل الموقف من أجل مصالح زائلة أو حسابات ضيّقة.
مواقفه في الدفاع عن القدس والمقدسات، وصوته العالي في المحافل الدولية دفاعًا عن الشعب الفلسطيني، ورفضه الواضح لأي مشاريع تصفية للقضية، كلها شواهد ناصعة على شهامة ملكٍ لا يعرف الانكسار، وكرامة قائدٍ لا تنحني رايته، وبصيرة رجلٍ سبق زمانه، فكان كما أراد شعبه، بل وأكثر.
وقف شامخًا في وجه الضغوط، متمسكًا بثوابت الأردن، غير عابئٍ بثمن الموقف، لأن الموقف عنده ليس خيارًا، بل واجبٌ لا يُساوم عليه، وميراثٌ هاشميٌّ لا يُفرّط فيه. لقد رفع راية العدل، واحتضن الملهوف، ونادى بالسلام الحقيقي، وأثبت أن القيادة لا تُقاس بعدد الجنود، بل بوزن الضمير، وقوة المبادئ، وصدق الانتماء.
نسأل الله العلي القدير أن يحفظ جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم، ذخراً للأردن، وسندًا لفلسطين، ورمزًا للعروبة الصادقة، وأن يمدّه بموفور الصحة والعافية، ويعينه على حمل الأمانة ويبارك في ولي عهده الأمين، الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، وأدم علينا نعمة الأمن والإيمان تحت راية الهاشميين الأخيار.
وسيبقى الأردن، بإذن الله، وطن النشامى… ومهد العروبة… وعرين الهاشميين الأطهار.