أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب مجتمع مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات جامعات مغاربيات خليجيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

البستنجي يكتب: هويتنا في زمن الشاشات.. المحتوى الرقمي والوعي الديني


إياد يوسف البستنجي

البستنجي يكتب: هويتنا في زمن الشاشات.. المحتوى الرقمي والوعي الديني

مدار الساعة ـ
في زمنٍ بات فيه الطالب متصلًا بالشاشة أكثر من اتصاله بالكتاب أو بالمدرسة، لم تعد الهوية الدينية تتشكل فقط من خلال الأسرة أو المعلم أو المسجد، بل أصبح المحتوى الرقمي بأشكاله المتعددة فاعلًا قويًا في تشكيل وعي الطالب وتوجيه بوصلته القيمية والروحية.
قال النبي ﷺ:
"تركتُ فيكم ما إن تمسكتم به، لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنّتي"
فلنُعلّم أبناءنا كيف يُمسكون بهذا الحبل وسط أعاصير الشاشات، فيثبتوا على درب النور.
وبات من الضروري أن نسأل بجدية:
كيف يؤثر المحتوى الرقمي الترفيهي والإخباري والإعلاني على الهوية الدينية لطلبتنا؟
وهل يمكن توظيف هذا المحتوى في ترسيخ هذه الهوية بدل تقويضها؟
✦ أولًا: ما المقصود بالهوية الدينية للطالب؟
الهوية الدينية هي مجموعة من المفاهيم والمعتقدات والممارسات التي ينتمي بها الطالب إلى دينه، ويفهم من خلالها علاقته بالله، وبنفسه، وبالمجتمع.
وتتكوّن من أربعة أركان رئيسية:
1. الاعتقاد: الفهم الصحيح للعقيدة وأركان الإيمان.
2. الشعائر: أداء الصلاة، الصيام، وسائر العبادات.
3. السلوك: تمثّل الأخلاق والقيم المستمدة من الدين.
4. الانتماء: الاعتزاز بالإسلام والشعور بالولاء له.
قال تعالى:
﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ﴾ سورة البقرة: 138
فالدين هو الصبغة الكبرى التي تلوّن حياة الإنسان وتمنحه المعنى والاتجاه.
✦ ثانيًا: ماذا يشاهد أبناؤنا؟ التأثير الخفي للمحتوى الرقمي
تشير تقارير اليونيسف إلى أن أكثر من 89% من الأطفال في العالم العربي يستخدمون الإنترنت بشكل يومي، معظمهم دون رقابة فاعلة. هذا الواقع يطرح تساؤلات خطيرة عن أنواع المحتوى التي يتعرض لها الطلبة، والتي وتُسهم بقوة في إعادة تشكيل مفاهيمهم.
? المحتوى الترفيهي:
الأفلام، الألعاب، والمسلسلات التي تُقدّم نماذج "بطولية" قد تروّج للعنف، والتمرد، والتحلل الأخلاقي، بعيدًا عن القيم الإسلامية.
? المحتوى الإخباري:
بعض المنصات تطرح الدين بصورة مشوهة أو متحيّزة، وتُعيد تشكيل مفاهيم مثل العدالة والانتماء بشكل يُربك وعي الناشئة.
? المحتوى الإعلاني:
يروج لنمط حياة استهلاكي ومادي، ويُربط النجاح بالجمال الخارجي، والرفاه السطحي، مما يُهمّش القيم الروحية والأخلاقية.
✦ ثالثًا: أبرز التحديات التي تواجه الهوية الدينية
1. تراجع شعور الانتماء الديني لصالح هويات بديلة: ترفيهية، استهلاكية، فردانية.
2. التشكيك في الثوابت عبر السخرية، أو المعلومات المغلوطة.
3. انفصال السلوك الرقمي عن الضمير الديني: كالتنمّر، أو مشاهدة محتوى غير أخلاقي.
4. التطبيع مع الانحرافات التي تُقدَّم كجزء من "الحرية الشخصية".
قال تعالى:
﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ﴾ سورة الحشر 19
فالنسيان هنا ليس مجرد غفلة، بل انقطاع عن المصدر الحقيقي للهوية والكرامة.
✦ رابعًا: من الخطر إلى الفرصة، كيف نُحوّل المحتوى الرقمي إلى منبر نور؟
رغم هذه التحديات، فإن المحتوى الرقمي ليس ساحةً مظلمة بالكامل. بل يمكن تحويله إلى أداة بناء وتعزيز للهوية الدينية:
✅ صُنّاع محتوى ملتزمون يقدمون الإسلام بلغة عصرية وجذابة.
✅ تطبيقات ذكية لحفظ القرآن، فهم السيرة، والمواظبة على الأذكار.
✅ محتوى تفاعلي يعزز العقيدة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
✅ قصص وأفلام قصيرة تقدّم نماذج واقعية مُلهمة من شباب مسلم معتز بدينه.
✦ خامسًا: دور المربين والمعلمين – من التوجيه إلى التمكين
"الوعي النقدي هو صمام الأمان للهوية الدينية."
لذا فإن دور المربّين لا يقف عند التحذير، بل يشمل التمكين من أدوات الفهم والتفاعل:
1. ? بناء الوعي النقدي:
نعلّم الطالب أن يسأل ويُحلل ويفكر فيما يستهلكه رقميًا، لا أن يكون مستقبلًا سلبيًا.
2. ? دمج القيم الرقمية في الحصص اليومية:
من خلال مناقشة مقاطع أو ترندات رقمية وتحليلها أخلاقيًا.
3. ? ? ? ? تمكين الأهل:
تزويدهم بدليل رقمي مبسّط لمتابعة ومرافقة أبنائهم في عالم الإنترنت.
4. ? إنتاج محتوى بديل:
دعم الطلاب المبدعين لإنتاج فيديوهات أو منشورات رقمية تُعبّر عن قيمهم بلغة عصرهم.
نموذج "رَقِم" لحماية الهوية الرقمية:
ر: رصد المحتوى.
ق: تقييمه دينيًا وأخلاقيًا.
م: مشاركة محتوى بديل.
✦ سادسًا: مبادرات ملهمة من العالم الإسلامي
? تركيا: أطلقت منصات ترفيهية تربوية تقدم المحتوى الإسلامي للأطفال بأسلوب حديث.
? ماليزيا: أدرجت وزارة التعليم منصة قصص تفاعلية ضمن مشروع "التربية الشاملة".
? الأردن: بعض المدارس بادرت بدمج "القيم الرقمية" ضمن مناهج التربية الإسلامية.
✦ خاتمة: نداء للتربية، لا للرقابة فقط
الهوية الدينية ليست هشّة، لكنها بحاجة إلى حصانة رقمية.
والمحتوى الرقمي ليس عدوًا دائمًا، بل ساحة صراع بين التأثير والتأثّر.
حين يُنقّي الطالب ما يستهلكه رقميًا، ويزن المحتوى بميزان الإيمان، تصبح التقنية وسيلة للثبات لا سببًا للتيه.
وإنها مسؤوليتنا جميعًا كمربين، وأولياء أمور، ومؤسسات تربوية أن نُعيد تشكيل الساحة الرقمية، ونغرس فيها بذور الهوية الراسخة.
فلنبدأ اليوم... قبل أن يسبقنا التيار.
مدار الساعة ـ
story