أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة جامعات دين مغاربيات خليجيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

الشباب والأحزاب السياسية في الأردن: أدوار جديدة في مئوية الدولة الثانية في ضوء رؤية الملك


حمزة ابو نوار

الشباب والأحزاب السياسية في الأردن: أدوار جديدة في مئوية الدولة الثانية في ضوء رؤية الملك

مدار الساعة ـ

div>تدخل الدولة الأردنية مئويتها الثانية وسط تحديات سياسية واقتصادية متداخلة، تستدعي إعادة بناء العقد الاجتماعي وتوسيع دائرة المشاركة السياسية، لاسيما فئة الشباب التي تمثل العمود الفقري لأي تحول ديمقراطي حقيقي. وفي هذا السياق، برزت دعوات ملكية صريحة وواضحة من جلالة الملك عبد الله الثاني لتعزيز مشاركة الشباب في الحياة الحزبية والسياسية، ليس بوصفها خيارًا، بل كضرورة وطنية لضمان مستقبل مستقر وديمقراطي للدولة الأردنية.

تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن أكثر من 60% من سكان الأردن هم من فئة الشباب دون سن الثلاثين، وهي نسبة تعكس طاقة ديمغرافية ضخمة. ومع ذلك، فإن مشاركة هذه الفئة في الحياة الحزبية لا تزال محدودة، نتيجة عدة عوامل تاريخية وثقافية وتشريعية، من أبرزها ضعف ثقة الشباب في جدوى الأحزاب السياسية، وغياب الوعي الحزبي، وسيطرة الفردية على العمل السياسي العام. ولقد جاءت المئوية الثانية للدولة الأردنية في ظل تحولات جوهرية داخلية وخارجية، شملت إعادة هيكلة المنظومة السياسية من خلال تعديلات دستورية وقانونية، أبرزها صدور قانوني الأحزاب والانتخاب. وقد هدفت هذه القوانين إلى تحفيز انخراط الشباب والمرأة في الحياة الحزبية، من خلال ربط العمل الحزبي بالجامعات، وتخصيص نسب تمثيل للشباب في القوائم الوطنية والمحلية.
في أكثر من مناسبة، عبّر جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله عن قناعته بأن الشباب هم حجر الأساس في مشروع الدولة الحديثة، وأنهم شركاء في البناء لا مجرد متلقين للسياسات. فقد دعا جلالته في الأوراق النقاشية الملكية، خصوصًا الورقة السادسة والسابعة، إلى ضرورة تمكين الشباب سياسيًا، من خلال دمجهم في الحياة الحزبية والمؤسسات التمثيلية، وتوفير بيئة تشريعية تضمن لهم العدالة وتكافؤ الفرص. وفي خطاب العرش السامي في افتتاح الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة التاسع عشر، أكد جلالته أن بناء نموذج ديمقراطي أردني يتطلب “أحزابًا برامجية وطنية تستند إلى مشاركة فاعلة من الشباب والمرأة”. وقد عبّرت هذه الرؤية عن تحول في فلسفة الحكم تجاه الشباب، من اعتبارهم فئة مستهدفة بالتدريب والتمكين، إلى كونهم شركاء في التخطيط والقرار والتنفيذ.
لقد شهدت السنوات الأخيرة حالة من إعادة التشكيل في الخريطة الحزبية، مع بروز كيانات حزبية جديدة تسعى إلى تجاوز الطابع الأيديولوجي الضيق والانفتاح على قضايا المجتمع والعدالة الاجتماعية والهوية الوطنية الجامعة. وقد اشترط قانون الأحزاب الجديد أن يكون للحزب قاعدة شبابية تمثل 20% من أعضائه، مع إلزامه بالنشاط داخل الجامعات. هذا التحول التشريعي والتنظيمي وضع الأحزاب أمام اختبار حقيقي، حيث بات مطلوبًا منها ليس فقط جذب الشباب عدديًا، بل تهيئتهم سياسيًا، وتمكينهم من أدوار قيادية حقيقية، وإشراكهم في صياغة البرامج لا مجرد الترويج لها.
ورغم الإرادة السياسية والتعديلات القانونية، لا تزال هناك تحديات بنيوية وثقافية تعيق اندماج الشباب في الحياة الحزبية، ومن أبرزها: غياب الثقافة الحزبية في المجتمع الأردني، حيث يربط كثير من الشباب بين العمل الحزبي والتجاذبات الأمنية أو الأيديولوجية. وكذلك ضعف الحياة الحزبية ذاتها، إذ إن العديد من الأحزاب لا تزال تدور في فلك الأشخاص لا البرامج، ما يقلل من جاذبيتها لدى الشباب الباحث عن التغيير الفعلي. وأيضاً ضعف الثقة بالمؤسسات السياسية، بما فيها البرلمان، ما يولد شعورًا بعدم الجدوى من المشاركة السياسية. بالإضافة إلى غياب التمكين الاقتصادي والاجتماعي، حيث يرى كثير من الشباب أن معالجة مشكلات البطالة والفقر أكثر إلحاحًا من الانخراط في النشاط السياسي.
ورغم التحديات، فإن هناك فرصًا حقيقية يمكن البناء عليها لإحداث تحول نوعي في علاقة الشباب بالأحزاب السياسية، من أهمها: المناخ الإصلاحي العام الذي تقوده الدولة الأردنية في ظل المئوية الثانية، والذي يُظهر استعدادًا واضحًا لإعادة هيكلة المشهد السياسي على أسس ديمقراطية. وكذلك الإرادة الملكية الصريحة، التي توفر غطاءً سياسيًا وأخلاقيًا لأي مبادرة شبابية حزبية إصلاحية. وأيضاً قانون الأحزاب الجديد، الذي ألزم الأحزاب بدمج الشباب بنسبة واضحة، ما يفتح الباب أمام صعود قيادات شبابية جديدة من داخل المؤسسات الحزبية. بالإضافة إلى ضرورة الانفتاح الإعلامي والمنصات الرقمية، التي تمنح الشباب أدوات جديدة للتعبير عن آرائهم وتوسيع حضورهم في الفضاء العام.
في مئوية الدولة الثانية، لم يعد مقبولًا استمرار الفجوة بين الشباب والعمل السياسي. فالشباب ليسوا فقط الأقدر على استخدام أدوات العصر، بل هم الأقدر على تخيل المستقبل وصياغة معالمه. ومن هذا المنطلق، يجب أن يتم التعامل مع الشباب باعتبارهم طاقة فكرية وتنظيمية تملك القدرة على تجديد الأحزاب من الداخل، وتحديث الخطاب السياسي، وربط البرامج الحزبية بقضايا الحياة اليومية للمواطن الأردني. ويحتاج هذا التحول إلى بناء شراكات استراتيجية بين الدولة، والأحزاب، والمؤسسات التعليمية، ومؤسسات المجتمع المدني، لتأسيس مسارات تدريب وتثقيف سياسي ممنهج، يربط النظرية بالممارسة، ويفتح أمام الشباب فرصًا حقيقية للقيادة.
استنادًا إلى ما سبق، يمكن اقتراح عدد من التوصيات العملية لتعزيز دور الشباب في الحياة الحزبية الأردنية، بما ينسجم مع رؤية جلالة الملك، حفظه الله، منها إدماج الثقافة السياسية ضمن المناهج التعليمية والأنشطة الجامعية، إنشاء حاضنات حزبية شبابية داخل الجامعات بإشراف هيئة مستقلة، تمويل برامج تدريب حزبي للشباب من قبل وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية، إشراك الشباب في الحوارات الوطنية وصياغة السياسات العامة، ومراجعة أداء الأحزاب دوريًا وفقًا لمعايير واضحة لتمكين الشباب.
وفي ظل المئوية الثانية للدولة الأردنية، تبدو مشاركة الشباب في الحياة الحزبية شرطًا جوهريًا لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، وتجديد الشرعية السياسية من القاعدة إلى القمة. إن الرؤية الملكية تمثل خارطة طريق واضحة نحو بناء أحزاب وطنية برامجية تستوعب الطاقات الشبابية وتوجهها نحو العمل الجماعي المؤسسي. ومن هنا، فإن تمكين الشباب حزبيًا هو ليس مشروعًا مؤقتًا، بل هو ركيزة من ركائز الأمن السياسي والاستقرار المستدام في الأردن الحديث.
مدار الساعة ـ
story