أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب مجتمع مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات جامعات مغاربيات خليجيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

البستنجي يكتب: هل تُربّي الآلة؟ الذكاء الاصطناعي والتحدي القيمي في التربية الإسلامية


إياد يوسف البستنجي

البستنجي يكتب: هل تُربّي الآلة؟ الذكاء الاصطناعي والتحدي القيمي في التربية الإسلامية

مدار الساعة ـ
في فصل دراسي ذكي، وقف طالبٌ أمام شاشة تفاعلية يسأل روبوتًا:
"ما معنى الصدق في الإسلام؟"
أجابه الروبوت بصوت رخيم وتعريف دقيق…
لكن نظرات الطالب بقيت تائهة، كأن شيئًا ما ينقص الجواب…
فهل يُمكن لخوارزمية باردة أن تُضيء جذوة الضمير كما يفعل قلبُ معلّم؟
وهل يمكن لآلة، مهما بلغت دقتها، أن تُربّي ضميرًا أو تُشعل وجدانًا؟
" إنّما الأعمال بالنيات…"
هكذا يبدأ الإسلام بناء الإنسان من داخله…
فهل للآلة قلبٌ يعرف النيّة؟
أولًا: من الحساب إلى القيم… الذكاء الاصطناعي يدخل الفصل
في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة التطور التكنولوجي، ويزحف الذكاء الاصطناعي إلى مختلف مجالات الحياة، يُطرح سؤال تربوي وأخلاقي عميق:
هل يمكن للآلة أن تُسهم في غرس القيم الإسلامية؟
وهل تستطيع خوارزميات بلا روح أن تُعلّم الرحمة والنية والإخلاص؟
هذا السؤال لم يعد افتراضيًا، بل بات واقعًا حيًّا مع انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي في التعليم، من تطبيقات ومحادثات ذكية، إلى روبوتات تُدرّس وتحاور وتجيب على أسئلة دينية.
فأين تقف التربية الإسلامية أمام هذا المشهد الجديد؟ وما دورنا نحن كمربين؟
اليوم، من وظائف الذكاء الاصطناعي التعليمية:
▪شرح المفاهيم.
▪توليد اختبارات مخصصة.
▪تحليل أداء الطالب.
▪تقديم تغذية راجعة فورية.
لكن في التربية الإسلامية، لا يُقاس النجاح فقط بالإجابات الصحيحة، بل بما تُحدثه المعرفة من أثر في الضمير والسلوك.
فغرس القيم يعني التعامل مع عالم داخلي معقّد: النية، الرحمة، الإخلاص، الخشوع…
فهل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يُربّي؟
أم يظل مجرد أداة تنفيذية دون روح؟
ثانيًا: القيم في التربية الإسلامية… منبعها العقيدة ومصدرها القلب
في الإسلام، القيم ليست سلوكيات خارجية فقط، بل هي:
نابعة من العقيدة:
كما قال الله تعالى:
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾
أي زكّى نفسه بالإيمان والعمل الصالح.
متجذّرة في السيرة النبوية:
فالنبي ﷺ لم يكن يُعلّم فقط، بل كان يجسّد الأخلاق.
تُغذّي الروح: كما في قوله ﷺ:
"إنّما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق."
وغرس هذه القيم يحتاج إلى:
▪موقفٍ حيّ.
▪بيئة حاضنة.
▪معلّم قدوة يُشعّ صدقًا، ▪ورحمة، وصبرًا.
النية… البُعد الذي تعجز عنه الآلة
النية، وهي مبدأ كل عمل صالح، لا تُقاس بمعادلة، ولا تُشفّر في خوارزمية.
وما لا يمكن إدراكه أو قياسه رقميًا، لا يمكن للآلة أن تغرسه.
ولهذا كانت النية أول ما يُبنى عليه العمل في الإسلام، وأول ما تتوقف عنده الآلة.
ثالثًا: ما الذي يمكن أن يُقدّمه الذكاء الاصطناعي للتربية الإسلامية؟
رغم التحديات، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُسهم في دعم التربية القيمية من خلال:
1. مواقف أخلاقية تفاعلية
برمجة روبوتات أو تطبيقات تطرح مواقف حياتية، وتطلب من الطالب اتخاذ قرار، ثم توضح له الأثر الأخلاقي لاختياره.
2. محاكاة القصص النبوية
تصميم تطبيقات تُجسّد أحداث السيرة وقصص الصحابة بأسلوب مشوّق، يعزّز الأثر الوجداني والمعرفة القيمية.
3. التغذية الراجعة القيمية
برامج ترصد سلوك الطالب الرقمي (كالصدق، احترام الوقت، عدم الغش)، وتربطه بالقيم الإسلامية.
4. إجابات تُبرمج بالقيم
إعداد المحادثات الذكية لتُجيب بروح إسلامية رحيمة، تُبرز مبادئ الرحمة والمقاصد، لا الصيغة الحيادية الباردة.
? مثال واقعي:
في بعض مدارس ماليزيا، استُخدم روبوت يُدعى "MuslimBot" لتعليم الأطفال الوضوء والصلاة.
كان فعالًا في العرض الحركي، لكنه لم يُغنِ عن المعلم في شرح نية الصلاة، وفضلها، ومكانتها الروحية.
رابعًا: حدود لا يمكن للآلة تجاوزها
1. غياب النموذج القدوة
المعلم المسلم لا يُعلّم فقط، بل يُمثّل القيم.
وجهه، صبره، دعاؤه لتلاميذه… كل ذلك لا يمكن للآلة محاكاته.
2. البرود العاطفي للآلة
الآلة لا تشعر بدمعة التلميذ حين يسمع حديثًا عن الجنة، ولا تمسح على قلبه حين يُقصّر.
3. إمكان التشويش أو الانحراف
إذا لم تُضبط أدوات الذكاء الاصطناعي بضوابط شرعية تربوية، فقد تُشوّه المفاهيم أو تخلط بينها.
4. إضعاف الرابط البشري التربوي
الاعتماد الزائد على الشاشة قد يُقصي المعلم والأسرة، فيتعلّم الطفل من وسطٍ بارد يفتقر للدفء التربوي.
خامسًا: نحو رؤية تربوية متوازنة
لكي نُحسن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي دون أن نضيع البوصلة، علينا أن:
نُدمج أدوات الذكاء الاصطناعي ضمن رؤية تربوية إسلامية واعية.
نُبقي المعلم في موقع القيادة، ونُعيد تأهيله لقيادة البيئات الرقمية.
نخضع المحتوى لرقابة شرعية وتربوية موثوقة.
نُطوّر أدوات الذكاء الاصطناعي لتخدم المقاصد الإسلامية، لا أن تُفرغها من روحها وجوهرها الإيماني.
خاتمة: بين الإنسان والآلة… أين تبدأ التربية؟
الآلة لا تمتلك قلبًا، ولا ضميرًا، ولا خشية… لكنها قد تكون أداة نافعة إذا وُجّهت التوجيه الصحيح، وأشرف عليها صاحب رسالة.
غرس القيم مسؤولية عظيمة لا يمكن تفويضها بالكامل إلى خوارزميات.
لكنه أيضًا مجال لا ينبغي تجاهل فرصه.
بين الإفراط في الاعتماد، والتفريط في الاستفادة… تكمن الحكمة التربوية.
الآلة لا تُربّي… لكنها قد تُسهم.
والمعلّم هو الأصل… والذكاء الاصطناعي هو الأداة.
▪التربية قبل التعليم، والقدوة قبل القول، والروح قبل الأداة.
✦ فلنُحسن تسخير الذكاء الاصطناعي لخدمة الرسالة التربوية، دون أن نفرّط بالإنسان الذي كان وسيبقى مركز التربية وروحها.
مدار الساعة ـ
story