المرابطون في غزة على رؤوسنا، لهم المحبة والتقدير، بل هم شرفٌ لكل الأمة، إن بقي للأمة بقايا. أما السيد الحيّة، الذي تخرّج من الجامعة الأردنية، ونهل من بيئة عربية آمنت بالقضية، فعليه – قبل أن يرفع صوته على عمّان – أن يوجّه خطابه إلى من اعتاد الاستقواء بهم في طهران، لا إلى الأردن الذي كان وما زال في الرباط.
لقد استثارت كلمات الحيّة مشاعر الشعوب، لا لقوة حجّتها، بل لانفصالها عن الواقع، وتهجّمها الرخيص على بلدٍ ظل صامدًا في وجه الرياح، حين كانت بعض القيادات تبحث عن منابر لا عن مواقع رباط.
الأردن هو من صمد في معارك 1948، وطرد اليهود من القدس أول مرة، وثبّت هويتها حتى نكسة 1967، التي كانت – لمن وعى التاريخ – نكسة بحجم 7 أكتوبر وأكثر، لكن بصمت وتضحية لا ضجيج فيها.
فهل يُعقَل أن يُزايد عليه من صمتَ عن مذابح حلب؟ وهل من العدالة أن تخرج الكلمات من أفواه من تلطّخت أيدي حلفائهم بدماء العرب في سوريا واليمن والعراق، ليطعنوا بها من بقي ثابتًا على مواقفه؟
نحن نعلم أن الاحتلال لا يقف عند غزة، ولا ينتهي عند حاجز، لكننا نعلم أيضًا أن من يتوهّم النصر بالشتائم، ويهاجم عمّان في خطاب استعراضي، لا يملك بوصلة، بل يُتلى عليه الخطاب من غيره.
إنها مأساة الأحزاب التي تحوّلت إلى دول داخل الدول، فاقدة للرؤية، مشغولة بالمناكفات بدل المعارك.
والأخطر أن من ينادي بـ"الأمة" كان يومًا على موائد إيران، صامتًا عن دماء السنة، ومشاركًا في صمت مذلّ عن كل ما حدث في حلب والفلوجة وصنعاء.
نعم، قُسّمت الأمة، وتشظّت، ولكن لا يحق لمن شارك في تعميق الانقسام أن يتحدّث عن الوحدة.
نحن لا نهاجم غزة، بل نغار عليها. لكننا نرفض أن تُستعمل غزة لتصفية الحسابات السياسية، أو للمزايدة على دول حملت عبء القضية حين اختبأ الآخرون خلف الجغرافيا أو خلف الشعارات.
لقد أُهينت القضايا العادلة حين خُطبت بألسنة غير عادلة، وأُضعفت الأمة حين قادها الغضب الأعمى، لا البصيرة ولا المبادئ.
الأردن لا ينتظر شهادة حسن سلوك من أحد، فهو في الرباط من أول السطر، لا في آخر البيان.