أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة جامعات دين مغاربيات خليجيات ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

الشيخ العيطان يكتب: بانوراما رجال الوطن والأمة!

مدار الساعة,مناسبات أردنية,الملك عبدالله الثاني,سيادة القانون,المسجد الأقصى
مدار الساعة ـ
حجم الخط
مدار الساعة - كتب الشيخ خالد نواف العيطان:
مع تأكيد الشكر للقائمين على "بانوراما رجالات جرش"، نقدم بكل فخر واعتزاز، وبمشاعر الوفاء لأبناء الوطن المخلصين، نُسطّر بعضاً من ملامح السيرة الوطنية والقومية العظيمة للزعيم الأردني البارز الشيخ محمد بن عيطان الحمد الحرحشي، أحد أعمدة التأسيس التشريعي والسياسي للدولة الأردنية الحديثة، ورمزًا من رموز الانتماء القومي والوعي العروبي الصادق.
لقد وُلد محمد بن عيطان الحمد الحرحشي عام 1899 من رحم الزعامة والعراقة، في بيتٍ عشائري مشهود له بالقضاء والقيادة، وسط قبيلة بني حسن المجيدة. فكان امتدادًا لشجرة طيبة، وجذرًا عميقًا في الأرض الأردنية؛ فجده الشيخ حمد الحرحشي كان عضوًا في مجلس إدارة البلقاء عام 1869، ووالده الشيخ عيطان الحرحشي أحد القضاة الثلاثة للقبيلة، ليكون محمد بن عيطان امتدادًا لشرف القيادة، وعنوانًا للوفاء للأرض والناس والدولة.
في محطات التأسيس الأردني، لم يكن الشيخ محمد بن عيطان مجرد مشارك، بل كان صانعًا من صُنّاع الشرعية الأولى، وأحد واضعي اللبنات التشريعية الأساسية، حين شارك في صياغة القانون الأساسي (الدستور ) وقانون المجلس التشريعي الأول عام 1923، مساهماً في رسم ملامح الدولة الأردنية، واضعًا نصب عينيه سيادة القانون، وشراكة القبيلة في مشروع الدولة لا كطرف تابع، بل كشريك أصيل في بناء الهوية الوطنية الجامعة.
ولم تتوقف بصماته عند حدود التشريع، بل مضى إلى تمثيل الصوت الحر والضمير الشعبي؛ فانتُخب نائبًا عن قبيلة بني حسن في البرلمان الأردني عامي 1931 و1934، ثم عاد نائبًا عنهم عام 1947، في أول تمثيل رسمي للقبيلة في الدولة، وكان في كل محطاته ممثلاً أمينًا لعشيرته، صادقًا في انتمائه، يذود عن مصالح الأمة، ويعضّ على مبادئه بالنواجذ.
على الصعيد القومي، كان محمد بن عيطان الحمد الحرحشي أردنيًّا الهوى، عروبيًّا في الموقف، ومقدسيًّا في الروح؛ شارك في المؤتمر الوطني الأردني الأول عام 1928، وكان عضوًا في لجنته التنفيذية، وشارك في مؤتمر الشيوخ في القدس عام 1933، معلنًا رفضه للمشروع الصهيوني، ومطالبًا بتعديل المعاهدة البريطانية. كما لبّى دعوة زعماء الأردن في صلاة التحدي في المسجد الأقصى عام 1929، في موقفٍ يختصر شرف المكان والموقف والهوية.
لم يكن غريبًا أن يُكرَّم هذا الزعيم الكبير بوسام نيشان المجيدي من الدولة العثمانية عام 1915، لما عُرف عنه من حكمة ومكانة، كما لم يكن مفاجئًا أن يحظى بتكريم الدولة الحديثة، حين أنعم عليه جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين بوسام مئوية الدولة الأردنية الأول، عرفانًا بدوره الراسخ في مسيرة البناء والانتماء.
رحم الله الشيخ محمد بن عيطان الحمد الحرحشي، زعيمًا لم تُغْرِهِ المناصب، ولم تُسْكِته الظروف، بل وقف على الدوام بوصلةً وطنية وقومية في زمن التأسيس، ورمزًا للولاء المطلق للأردن والأمة، ومنارةً من منارات العز والكرامة في سجل الرجالات الذين صنعوا من العدم دولة، ومن القبيلة شريكًا لا تابعًا، ومن الوطن مشروعًا لا وظيفة.
هؤلاء هم الذين لا تُغلق صفحاتهم، بل تظل حيّة في ذاكرة الوطن، يتوارثها الأجيال… رجالٌ بَنوا لا قالوا، وغرسوا لا تاجروا، ومضوا كالأعلام، خفّاقة حتى في الغياب.

مدار الساعة ـ
story