أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة جامعات مغاربيات خليجيات دين ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

حين يكون الممكن أمانة: موقف أردني في زمن العجز العربي

مدار الساعة,مناسبات أردنية
مدار الساعة ـ
حجم الخط
مدار الساعة - كتب: عمر حسن شعبان -
تتوالى الكوارث على غزة، ويشتد الحصار وتتعاظم المجازر، حتى بلغت المجاعة مراحل غير مسبوقة، وانعدم الحد الأدنى من الحياة الكريمة. شعب يُذبح جوعًا وقصفًا، ويُترك يواجه الموت بلا ماء ولا دواء ولا كهرباء ولا مأوى، بينما العالم يكتفي بالمشاهدة الباردة أو الدعم المشروط.
في هذا المشهد القاتم، لا بد من كلمة، لا من باب التنفيس، بل من باب الأمانة. وأنا كمواطن أردني، أقولها بألم: نحن في وضع صعب. لا نملك مفاتيح القرار الدولي، ولا أوراق ضغط كبرى، لكننا نملك قلبًا نابضًا، وموقفًا إنسانيًا لا يجوز التهاون فيه.
نُقدّر موقف دولتنا، قيادة وشعبًا، من إرسال المساعدات، وفتح المستشفيات، وتكرار المطالبة بوقف الحرب، وعدم تسييس المعونات، والدعوة لاحترام القانون الدولي. هذا ما يمكن في ظل واقع عربي رسمي ممزق، وبيئة شعبية محبطة، وعدو مستذئب في حماية استعمارية دولية.
ولا يجوز بحال التهوين من شأن المساعدات التي تُقدم لغزة، ولو كانت وجبة تُحيي نفسًا، أو جرعة تروي عطشًا، أو ضمادًا يُخفف جرحًا. فـ"من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا"، وهذه الجهود، وإن بدت متواضعة، إلا أنها خط الدفاع الأخير في وجه الموت الجماعي.
وفي هذا السياق، من المهم أن نُميز بوضوح، وألا نقع في فخ الخلط الإعلامي الخطير بين شعب غزة المقاوم الصابر، الذي دفع ثمنًا لا يُحتمل من دمه ولحمه، وتحمّل أعباءً إنسانية تفوق الوصف – نفسيًا، وجسديًا، واجتماعيًا – وبين عدوٍ غاشم لا يعرف للرحمة طريقًا، تجاوز في جرائمه حدود الإنسان والحيوان وحتى الجماد.
كما لا يجوز خلط الجهود الوطنية بالمواقف الفئوية أو الشخصية. الوقت وقت جمع الكلمة وتوحيد الصفوف خلف المؤسسات الوطنية، لا وقت التشكيك واللمز والشماتة، فمن قصّر مسؤول أمام الله، شعبًا كان أو سلطة.
وتاريخنا يشهد أن النصر لا يأتي فجأة، بل تُمهّد له النفوس والمواقف. قبل أن يحرر صلاح الدين القدس، سبقه نور الدين زنكي، يُعدّ الأرض والقلوب، ويقيم العدل، ويؤسس الوعي. لم يبدأ النصر من المعركة، بل من البناء المتدرج.
اليوم، غزة لا تطلب منا المعجزات. تطلب أن لا نخذلها بالكلمة، ولا بالتحليل الساخر، ولا بالصمت البارد. تقول لنا: لا تقطعوا شرايين الحياة. لا تضعفوا الأمل المتبقي.
قولوا لمن يُشكك: دعوا هذه الرئة تتنفس. دعوا الأردن يفعل ما يستطيع، وساندوا جهوده، وادعموا مستشفياته التي تُعالِج الجرحى، وهي تواجه ضغطًا فوق طاقتها. الدعم المالي واللوجستي والإعلامي واجب الوقت، وليس ترفًا عاطفيًا.
كفانا جلدًا للذات، فالتقصير لا يُداوى بالشتائم. والمسؤولية اليوم مشتركة: من بيده القرار، ومن بيده الكلمة، ومن بيده المال، ومن بيده الدعاء.
وليعلم الجميع أن الحرب الإعلامية أخطر من الطائرات. الشائعات ليست رأيًا، بل خنجر في ظهر من يصمد. فمن لم يستطع نصرة غزة، فلا يكن سيفًا على رقبتها.
غزة تُحتضر، فلا تتركوا يدها تُفلت من بيننا. ما نقدر عليه اليوم، أمانة بين أيدينا. ولا يُكلف الله نفسًا إلا وسعها.

مدار الساعة ـ
story