قلوبنا تتقطع ألماً لما يجري في غزة، هذا الجرح النازف في قلب كل عربي حر، فما يحدث هناك ليس مجرد حرب، بل مجزرة إنسانية تُرتكب في وضح النهار. وفي خضم هذا الألم، ينسى البعض أن هناك شعوباً تبذل كل ما بوسعها، رغم ضيق ذات اليد، للوقوف إلى جانب إخوتهم.
نحن في الأردن، بلدٌ فقير الموارد، محدود الإمكانات، لكن غنيّ بالشرف والكرامة والشهامة. لم نتأخر يوماً عن نصرة غزة، لا بالكلمة ولا بالفعل. فمنذ بداية العدوان، سُيّرت القوافل، وأُنشئت المستشفيات الميدانية، وعملت الطواقم الطبية الأردنية تحت القصف، يُداوون الجراح ويتحدّون الموت. ألم تُشاهدوا كيف أُصيب عدد من كوادرنا الطبية أثناء أداء واجبهم الإنساني؟ لماذا لا يُذكر هذا في الإعلام؟ لماذا لا يُشكر هؤلاء الجنود المجهولون؟
في غزة، لم يتوقف المخبز الأردني عن العمل يوماً واحداً، ظلّ يقدّم الخبز لأهلنا هناك رغم الحصار والنار. فكيف يتجاهلون هذا العطاء؟ ولماذا لا تُذكر المساعدات الأردنية التي دخلت إلى غزة بينما صمتت أو ترددت دول غنية وقادرة؟
وقبل أيام فقط، دخلت قوافل الطحين الأردنية من جديد، تحمل معها ما تيسّر من قوت أهلنا، بتوجيه مباشر من جلالة الملك عبد الله الثاني، الذي قالها صريحة: “سيروا وارفعوا علم الأردن فوق كل شاحنة”. رسالة لا لبس فيها، بأننا شعب لا يتوانى، وقيادة لا تتردد في نصرة الحق متى نادى.
ثم يخرج البعض لينتقدنا، كأننا نحن المذنبون، بينما تُقام الاحتفالات وتُعزف الموسيقى في أماكن أخرى لا تبعد كثيراً عن الجرح الغزي. كأن العيب فينا فقط، كأن الشهامة صارت تُلام، والكرامة تُنتقد، والتضحية تُهان.
ولم تكن هذه المواقف الشعبية وحدها، بل كانت بدعم مباشر من قيادتنا الهاشمية، التي كانت وما زالت عوناً وسنداً في كل أزمة. جلالة الملك عبد الله الثاني، وولي العهد الأمير الحسين، والعائلة الهاشمية كلها، كانوا دوماً في الصفوف الأمامية، صوتاً للحق، ويداً تمتد بالعون، ووجهاً ناصعاً يشرّف كل أردني.
لسنا بحاجة لمن يُصفّق لنا، لكننا نطلب منصفاً لا يُزوّر الحقيقة. فالأردن، بقيادته وجيشه وشعبه، كان وما زال في صف المظلوم، يقدّم ما يستطيع دون مِنّة. وإن كان من واجب الإعلام أن يُضيء على الجرائم، فإن من أمانته أن يُنصف المواقف الشريفة.
غزة ليست وحدها، وسيبقى صوتنا معها، ودعاؤنا لها، ودمنا جاهزاً إن لزم الأمر. لأننا أبناء هذه الأرض، وأشقاء في المصير، نعرف معنى الألم، ونعرف معنى أن تكون فقيراً في المال، غنياً في الموقف.
حفظ الله بلادنا وقائدنا وولي عهده وأجهزتنا الأمنية وشعب الأردن الكبير.