مدار الساعة - الشيخ شهاب مضفي ابووندي -
حين تتوارى المبادئ خلف جدران المصالح، ويعلو الضجيج السياسي على آهات الأبرياء، يخرج الصوت النقي من قلب العروبة، من عمان إلى برلين، ممثلاً بجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم، ليوقظ الضمير العالمي بنداء لا يقبل التأويل: “ارفعوا أيديكم عن غزة، أوقفوا المجاعة، أوقفوا الموت.”
في العاصمة الألمانية برلين، وأمام عدسات الإعلام العالمي، تحدّث جلالة الملك بلغة الإنسان، لا بلغة البروتوكول، فوقف في مؤتمر مشترك مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس، ليوصل رسالة مدوّية:
الدم في غزة ليس مجرد رقم، والمأساة هناك ليست مجرد عنوان عابر.
قالها جلالته بصراحة تامة:
“يجب أن تتوقف الحرب على غزة، فالمأساة الإنسانية تخطت حدود المعقول.”
لم تكن الكلمات إلا تلخيصًا حادًّا لمعاناة تُهمل، ودموع لا تُرى. إنها دعوة صادقة لوقف هذا النزيف الإنساني، واستنهاض لضمائر أصبحت رهينة للمصالح الدولية.
ثم أردف قائلاً:
“الصور المؤلمة لأطفال غزة يجب أن توقظ ضمير البشرية بأسرها.”
جملة اختصرت موقفًا أخلاقيًا وإنسانيًا عميقًا، تجلّت فيه القيادة الحقيقية، حين يتحدث الزعيم لا بلسان السلطة، بل بنبض الأب الحاني، والمواطن العربي الغيور، والقائد الذي لا يرضى أن تمر الكارثة بصمت.
خطاب جلالة الملك لم يكن مجرد بيان، بل خارطة أخلاقية تعيد ترتيب الأولويات في عالم مضطرب. ففي وقت تغيب فيه المواقف الحازمة، كان موقفه نقطة ضوء في عتمة التجاهل.
فجلالة الملك لم يكتفِ بالتنديد، بل أكد أن الأردن سيواصل أداء واجبه الإنساني تجاه أهل غزة، بالتعاون مع الأصدقاء في ألمانيا، من خلال إطلاق مهمات جوية مشتركة لإيصال المساعدات إلى السكان المحاصرين.
ليس فقط بالكلمات، بل بالفعل، يُثبت الأردن أن إنسانيته ليست للعرض، بل للفعل الحقيقي.
وما هذه الخطوة إلا استمرارٌ لمنهج هاشمي عريق، لم يعرف يومًا الحياد في معارك الإنسانية. فمنذ تأسيس المملكة، كان الأردن ميدانًا للحق، وملجأً للمظلومين، وصوتًا لا يُشترى ولا يُباع.
إن ما قاله جلالة الملك في برلين لم يكن مجرد تصريح سياسي، بل محطة مفصلية في المسار الأخلاقي للدبلوماسية الحديثة.
قالها بكل شجاعة:
“لا يجوز أن نربط المساعدات بمواقف سياسية، فالإنسان الجائع لا يفهم لغة الشروط، بل يحتاج إلى من يمد له اليد.”
هكذا كان صوت الملك:
واضحًا بلا مواربة، قويًا دون انفعال، مستقيمًا على خط القيم التي لا تنحني.
صوت استثنائي في عالم امتلأ بالضجيج والمساومة.
في زمن اختفت فيه الأصوات الحرة خلف مصالح ضيقة، بقي صوت جلالة الملك عبدالله الثاني علامة فارقة في المشهد العالمي.
هو الزعيم الذي لا يُحرّكه الريح، ولا يبدّل بوصلته، ولا يصمت حين يكون الكلام واجبًا أخلاقيًا.
وفي كل موقف من مواقف جلالته، نرى الأردن كما أراده:
بلدٌ لا يغيب عن قضايا أمته، ولا يتوانى في نصرة المظلوم، ولا يتهرّب من مسؤولياته الأخلاقية.
إن جلالة الملك لا يتحدث باسم دولة فقط، بل باسم كل إنسان شريف يرى في غزة جرحًا لا يلتئم، وواجبًا لا يسقط بالتقادم.
لقد رسم في برلين لوحة من الشرف والمروءة، خطّها بصوته الثابت، وموقفه الجريء، وضميره الحي.
وهنا، لا بد من أن نقولها بفخر:
يا جلالة الملك،
لقد قلت ما يجب أن يُقال، وفعلت ما لا يجرؤ عليه كثيرون،
وسجّلت موقفًا سيظلّ منارة لكل من يبحث عن المعنى الحقيقي للقيادة.
نحيّيك تحية الكبار،
ونعتز بك رمزًا للكرامة،
ونقول لك:
أنت الراية التي لا تنكس،
والصوت الذي لا يُشترى،
والقلب الذي لا يغفل عن وجع الأمة.
عاش جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم،
حفظ الله سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني،
وعاشت المملكة الأردنية الهاشمية،
وعاش الأردن حرًّا أبياً، بقيادتكم الشامخة ومواقفكم الرفيعة.