أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات مجتمع أحزاب وظائف للأردنيين مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مستثمرون الموقف شهادة جاهات واعراس مناسبات جامعات بنوك وشركات دين رياضة ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

قرقودة تكتب: حين يطعم الهدهد الحياة.. في غفلة المهرجانات


تغريد جميل قرقودة

قرقودة تكتب: حين يطعم الهدهد الحياة.. في غفلة المهرجانات

مدار الساعة ـ
قرقودة تكتب: حين يطعم الهدهد الحياة..

مدار الساعة - كتبت الإعلامية تغريد قرقودة -

في تلك اللحظة التي كانت فيها الميكروفونات تصدح على مدرجات جرش، والأنغام تتقافز بين أعمدة التاريخ، كانت هناك سيمفونية أخرى تُعزف خارج المسرح… لا يطرب لها الجمهور، ولا تُذاع على الهواء. مشهد صغير، لكنه أكبر من كل حفلات العالم، طائر صغير اسمه الهدهد، يقف على جدارٍ حجريّ قديم، ينحني برقة، ويطعم فرخه، منقاره دفءٌ، وجناحاه ظلٌّ، وعيناه تراقبان العالم بصمت العارف.
لم يكن يُطعم فحسب… بل كان يعيد تعريف الحنان.
في عالم مشغولٍ بالظهور، اختار أن يكون نبعاً في الخفاء.
وفي وقتٍ تُصرف فيه الملايين لإضاءة المسرح، كان هو يضيء كيانًا صغيرًا داخل شقّ في الجدار.
Madar Al-Saa Images 0.3796823045075821

هناك فلسفة كاملة في هذه اللقطة، فلسفة تقول إن الحب لا يحتاج إعلانًا، وأن العطاء ليس حدثًا، بل عادة تتكرّر كل صباح في حياة لا يراها أحد. الهدهد لم يذهب إلى جمهورٍ يهتف له، بل إلى فمٍ صغيرٍ ينتظره، إلى صرخة جوع يعرف توقيتها دون منبّه. هكذا تصنع الكائنات الحكيمة عالمها، لا بالصوت، بل بالفعل، لا بالضجيج، بل بالحضور الصادق.
وما كان لهذه اللحظة أن تُروى، لولا عدسةٍ تحمل بصيرة، لا مجرد بصر.
Madar Al-Saa Images 0.8164469044048817

عدسة المبدع حمزة بديوي العتوم، الذي لم يلتقط صورة فحسب، بل اصطاد لحظة من جوهر الوجود. في زمنٍ يتسابق فيه المصوّرون على اللقطات المبهرة، اختار هو أن يصوّر السكينة، أن يمنحنا مشهداً يعيد ترتيب أولوياتنا، ويذكّرنا بأن في الحنان جمالًا أعمق من أي إضاءة.
حمزة لم يوثّق طائراً فقط… بل وثّق درسًا كونيًا في معنى الأمومة، في طهارة النية، وفي قداسة المسؤولية، دون مكافأة أو شهرة. جعلنا نقف أمام صورة، لننظر من خلالها إلى أنفسنا: من نُطعم؟ ما الذي نمنحه؟ ولمن؟ وهل نحن مشغولون حقاً بما هو أهم… أم فقط بما هو ظاهر؟
الهدهد في هذه الصورة لم يكن مجرّد طائر... كان فيلسوفًا بريش، يعلّمنا أنّ من أطعم فرخه في الوقت الصعب، حفظ للعالم توازنه.
وأن الحياة ليست في الحفلات فقط، بل في قلبٍ صغيرٍ لا يراه أحد… ينتظر من يُطعمه حباً.

مدار الساعة ـ