أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة جامعات دين مغاربيات خليجيات ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

الكردي تكتب: بعد عمر من العطاء.. غريب في وطني


جوان الكردي

الكردي تكتب: بعد عمر من العطاء.. غريب في وطني

مدار الساعة ـ
في لحظة ما، بعد سنوات طويلة من العمل والعطاء، تجد نفسك واقفاً على حافة الأسئلة: هل هذا وطني الذي أفنيت عمري فيه؟ هل هذه هي الوجوه التي ابتسمت لها يوما وتوهمت أنها تعرف قدرك؟ كيف يتحوّل الوطن الذي أحببته بكل جوارحك إلى فضاء من الغربة والعتمة؟
ليس الحديث هنا عن معارضة أو اختلاف سياسي، بل عن شعور الإنسان العادي، الذي قضى حياته موظفا أو عاملا أو فنانا أو مربيّا أو صحفيا، ساهم في بناء بلده لبنة لبنة، وراكم فوق كتفيه سنوات من التعب والإخلاص، ونسي نفسه حتى بات يظن أن هذا البلد لن يخذله أبد ثم يخذله.
ثم تجد نفسك وقد تقاعدت، وإذ براتب التقاعد لا يكفي للعيش مستورا، ولا تجد فرصة عمل أخرى تقيك وأهلك العوز.. لتكتشف أنه فيما كنت تعمل بجد وإخلاص كان هناك من يعمل فقط على التربح والاغتناء ولو على حساب الأمانة أو على حساب الوطن..
تمر بظرفٍ صعب، صحيا أو ماليا أو اجتماعيا. تحاول أن تستند على من كنت تظنهم سندا. تتوجه برسالة، بنداء، بإيماءة بسيطة، إلى من يفترض أنهم المسؤولون، إلى أصحاب النفوذ، من تعرفهم وتظن أنهم يعرفونك.. لا أحد يرد، لا أحد يتصل، لا أحد يسأل.
الكل يدير ظهره. والخذلان يأتي من حيث لا تتوقع.
يقال إن الشدائد تكشف معادن الناس. لكن الحقيقة أن الشدائد تكشف الأوطان أيضا. تكشف كم أنت مرئي، وكم أنت مهمش، وكم أن كل ما ظننته "رصيد من العلاقات" قد يتبخر في أول موقف حقيقي.
تبدأ تفكر بالهجرة، لا حباً في الغربة، بل لأن الغربة أصبحت داخلك، في بلدك.
تفكر أن تهجر الأرض التي زرعت فيها أجمل سنواتك، إلى مكان لا تعرف فيه أحدا، لكن ربما تجد فيه الاحترام أو الهدوء أو حتى عدم التذكير الدائم بأنك صرت بلا قيمة.
المؤلم ليس أن تفكر بالرحيل، بل أن تؤمن أن البقاء صار عبئا. أن يتساوى في قلبك الوطن مع أي مكان آخر، وربما تضعه في المرتبة الثانية، لأن الأمان النفسي لم يعد مرتبطا بالمكان، بل بالناس.
ويا لسخرية الواقع.. قد تجد في بلاد لا تعرف فيها أحد، من يقدرك أكثر ممن عاشوا معك عمرك كله.
نعم، في هذا الزمن هناك "ناس وناس".
من يفتح له الباب بلا إذن، ومن يغلق في وجهه حتى الأمل.
لكن الحقيقة الأكبر التي يكتشفها من يُخذل في بلده، أن الكرامة أهم من العاطفة، وأن الوطن الحقيقي هو حيث يُحترم الإنسان، لا حيث ولد فقط.
وطن المرء حيث سكن. والسكن هنا يحمل معنى السكينة والأمان.
قد نبقى.. وقد نرحل..
لكننا لن ننسى أبدا، ذلك الشعور الثقيل حين نكتشف أننا غرباء في الوطن.
مدار الساعة ـ
story