أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة جامعات دين مغاربيات خليجيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

بطاح يكتب: الاعترافات الأوروبية بالدولة الفلسطينية.. هل لها قيمة فعلاً؟


د. أحمد بطّاح

بطاح يكتب: الاعترافات الأوروبية بالدولة الفلسطينية.. هل لها قيمة فعلاً؟

مدار الساعة ـ
بعد أن أعلن الرئيس الفرنسي "ماكرون" نيته الإعلان عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر القادم، أعلن الرئيس الأمريكي ترامب أن قرار الرئيس الفرنسي لا "وزن" له، وقد توالت التعقيبات على الإعلان الفرنسي حيث رحبت به السلطة الوطنية الفلسطينية، وحماس، وكافة الدول العربية في حين ارتأت بعض الدول الأخرى مثل بريطانيا وإيطاليا أنه يجب أن يأتي في سياق حل مُتفق عليه ومتدرج، وغني عن القول أنّ إسرائيل رفضت هذا الإعلان واعتبرته مكافأة لحركة "حماس".
إنّ السؤال الذي يطرح نفسه هُنا هو: هل لهذا الاعتراف المُزمع قيمة فعلاً وبخاصة أنه يأتي بعد اعتراف العديد من الدول الأوروبية بالدولة الفلسطينية وهي: اسبانيا، وإيرلندا، والنرويج، وسلوفينيا، ورغبة بعض الدول الأوروبية الأخرى بالاعتراف بها خلال مؤتمر "نيويورك" المخصص لإحياء "حل الدولتين" وحث دول العالم على الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟
إنّ الإجابة على هذا السؤال بديهي وهي أنّ الاعترافات ذات قيمة سياسية حقيقية لا يمكن التقليل من أهميتها، وذلك بالنظر إلى الاعتبارات الآتية:
أولاً: أن الدول الأوروبية (ومعظمها أعضاء في حلف "الناتو" والاتحاد الأوروبي) ذات نفوذ وقوة معتبرين على جميع الصُعد، ويجب أن نتذكر هنا أنّ فرنسا بالذات هي من الدول السبع الأغنى في العالم G7، وهي تلعب دوراً قيادياً في الاتحاد الأوروبي.
ثانياً: أنّ هذه الاعترافات التي تمت حتى الآن قد تفتح الباب أمام اعترافات أخرى من دول ذات أهمية خاصة وبالذات من بريطانيا (التي أعلنت ذلك فعلاً ولو أنها ربطته ببعض الشروط وهي الدولة المنتدبة التي مهدت قيام إسرائيل ومنحت اليهود وعد بلفور في عام 1917)، وألمانيا (التي تصدر ما يقارب 30% من الأسلحة إلى إسرائيل، وهي الوحيدة التي دافعت عنها في محكمة العدل الدولية ضد تهمة الإبادة الجماعية)، وإيطاليا (إحدى الدول السبع الغنية اقتصادياً G7).
ثالثاً: أنّ فرنسا عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، ولذا يحظى اعترافها المنوي إعلانه في الجمعية العامة للأمم المتحدة بأهمية كبيرة، وبخاصة إذا تبعه كما حصل فعلاً اعتراف من بريطانيا التي هي عضو دائم أيضاً في مجلس الأمن الدولي وذات علاقة خاصة ومؤثرة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
رابعاً: أنّ الدول الأوروبية هي الدول الأقرب إلى الولايات المتحدة من الناحية السياسية لأسباب تاريخية ومصلحية معروفة، ولذا فإنّ من المُتوقع أن تؤثّر اعترافاتها المتوالية بالدولة الفلسطينية على موقف الولايات المتحدة الداعم بغير حدود للموقف الإسرائيلي الذي يرفض قيام دولة فلسطينية بحجة أنها سوف تشكل خطراً وجودياً ومباشراً على إسرائيل.
خامساً: إنّ الاعترافات الأوروبية إذا توالت وتكاملت (من المتوقع أن تقوم بذلك 15 دولة) سوف تزيد من عزلة الولايات المتحدة، فهناك (147) دولة تعترف بالدولة الفلسطينية حالياً وهو رقم كبير فعلاً، ولا ينقصه سوى عدد آخر من الدول النافذة في العالم وهي الدول الأوروبية في الواقع كفرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا.
إنّ الدولة الفلسطينية، التي يشير إليها "حل الدولتين" المُعتمد من قبل الشرعية الدولية هي قائمة فعلاً وهي تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية كعاصمة، وغني عن القول أن مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية تشكل هيكل الدولة من الناحية السياسية والتنظيمية، وإذا تذكّرنا أن مقومات الدولة - أية دولة- هي: الشعب، والأرض، والسلطة فإنّ هذه المقومات متوفرة في الواقع حيث هناك شعب فلسطيني يقارب الـ 5 مليون يعيشون في هذه المناطق، وهناك أرض هي ما أشرنا إليه، وسلطة تستند في النهاية إلى منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. إن المعضلة الحقيقية التي تقف في وجه قيام الدولة الفلسطينية هي في الواقع الاحتلال الإسرائيلي للأرض وإقامته للمستوطنات على ترابها، وهي معضلة قابلة للحل إذا كان هناك إرادة سياسية لدى إسرائيل لإنهاء هذا الصراع المُزمن، ولدى الولايات المتحدة وهي الدولة الوحيدة القادرة على إلزام إسرائيل بقبول حل الدولتين وإجراء كل ما يلزم بشأن الإجراءات الضرورية لتنفيذه على أرض الواقع.
إنً الدول لا تنشأ بالقوة فقط بل بالسياسة أيضاً، وإذا كان الشعب الفلسطيني قد ناضل بقوة وعناد طوال سبع وسبعين عاماً مُقدماً التضحيات الهائلة، فإن من واجب سياسيه أن يكللوا نضاله بنجاح سياسي متمثل في قيام الدولة الفلسطينية، وغني عن القول أنّ هذا الكفاح السياسي (الذي لا يقل أهميةً عن الكفاح العسكري) لا يمكن أن يتعزز ويصل إلى مآلاته المُوفقة والهادفة إلّا إذا جرى كسب القوى الكبرى المهمة في العالم كالدول الأوروبية. صحيح أنّ هذه الدول ما زالت تابعة سياسياً بشكل أو بآخر للولايات المتحدة ولكن هذا يجب أن ألّا يحول دون استقطابها، والإفادة من دعمها وتعاطفها فالحرب "هي استكمال للسياسة ولكن بطرق أخرى" كما قال "كلاوسفيتز" أبو الاستراتيجية الحديثة.
مدار الساعة ـ
story