مدار الساعة - كتب: الأستاذ الدكتور محمد تركي بني سلامة - تشهد الجامعات الأردنية الرسمية هذه الأيام حالة من الترقب والتوتر غير المسبوق، وسط أجواء مشحونة بالقلق والانتظار، ترقبًا للجلسة المرتقبة لمجلس التعليم العالي، والتي يُتوقع أن تخرج منها قرارات حاسمة تتعلق بتجديد تعيين وإعفاء عدد من رؤساء الجامعات. قرارات محورية طال انتظارها، وستكون لها انعكاسات مباشرة على مستقبل التعليم العالي الأردني، ومصير مؤسسات أكاديمية وطنية بحاجة ماسة إلى ضخ دماء جديدة، وقيادات تنهض بها من الكبوة التي غرقت فيها لسنوات.
لكن للأسف، وفي ظل هذا الانتظار الثقيل، ينشغل البعض بترويج الإشاعات والتكهنات عبر بعض وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، في مشهد يعكس استخفافًا خطيرًا بوعي الرأي العام الأكاديمي، ومحاولة مكشوفة لإثارة البلبلة والتشويش على مسار الإصلاح الحقيقي. والمقلق أكثر أن بعض هذه الأقلام تحاول زرع الشك ودق الأسافين بين معالي وزير التعليم العالي الأستاذ الدكتور عزمي محافظة، الذي يقود الوزارة بثقة واقتدار، ويُعرف بنزاهته وحرصه على المصلحة العامة، وبين دولة رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان، الذي يعمل بتناغم تام مع فريقه الوزاري في ترجمة التوجيهات الملكية السامية إلى قرارات وسياسات واقعية يلمس المواطن نتائجها على الأرض.
لكن الحقيقة التي يجب أن يدركها الجميع أن ملف التعليم العالي اليوم في أيدٍ أمينة، لا تخضع للضغوط ولا تتأثر بالصخب الإعلامي، بل تتحرك وفق منهجية علمية تستند إلى معايير موضوعية وشفافة، هدفها الأول والأخير تحقيق المصلحة الوطنية، وإعادة الاعتبار للجامعات كمؤسسات أكاديمية رائدة يجب أن تُدار بالكفاءة لا بالمجاملات، وبالإنجاز لا بالألقاب.
إننا أمام لحظة فاصلة في تاريخ التعليم العالي الأردني، لحظة تُعلي شأن المسؤولية والمحاسبة، وتُعيد تصويب البوصلة نحو جامعات تنهض برسالتها التعليمية والعلمية، لا جامعات تُدار بمنطق "منصب للوجاهة" أو "إرث للمحاباة". القرارات المنتظرة ليست عشوائية أو ارتجالية، بل هي ثمرة تقييمات دقيقة وشاملة لأداء إدارات الجامعات خلال السنوات الماضية، بعد أن ثبت أن بعض تلك الإدارات كانت عبئًا ثقيلًا على مؤسساتها، فبدلًا من أن ترفعها إلى مصاف الريادة، أغرقتها في مستنقعات العجز المالي، والترهل الأكاديمي، والانفلات الأخلاقي.
نحن على أعتاب فجر جديد سيبزغ في جامعاتنا الوطنية، فجر يعيد لها وهجها، ويُعلي من قيمة العلم، ويزرع الثقة من جديد في نفوس الأساتذة والطلبة على حد سواء. هذا الفجر لن يأتي إلا بقرارات جريئة، عادلة، وحاسمة، تُنهي زمن التهاون، وتفتح الباب أمام قيادات جامعية تؤمن بالعمل المؤسسي، وتتحمل مسؤولية النهوض بالتعليم العالي الأردني بكل ما فيه من تحديات وتطلعات.
وإلى أولئك الذين يحاولون التشويش وإطلاق الأحكام المسبقة نقول: كفّوا أيديكم، فالسفينة ماضية نحو برّ الإصلاح بثقة وربّانها يعرف الطريق.
إننا نثق بأن القادم سيكون أفضل... وأن جامعاتنا ستنهض من كبوتها، لأن الوطن يستحق الأفضل.