لحظة التحوّل: صوت الشباب في هندسة العلاقة الجديدة بين الدولة و المجتمع
في ظل التحديات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية التي يشهدها الأردن ، تأتي لحظة صياغة قانون الإدارة المحلية الجديد كفرصة نادرة ، لا لإعادة ترتيب الهيكل الإداري فحسب ، بل لصياغة علاقة جديدة بين الدولة والمواطن .
علاقةٌ تُعيد الاعتبار للمجتمعات المحلية ، و تُخرج الشباب من الهامش إلى قلب المعادلة , لذلك هذا المقال لا يُمثّل رأيًا تنظيريًا ، بل يُجسّد خلاصة ورقة عمل شبابية ، طُرحت في لقاءات وطنية ، و ُعرضت كمساهمة حقيقية من شباب المحافظات ، لصياغة قانون إدارة محلية حديث ، كفؤ ، و شامل
??
-------------------------------------------------------------------------
? أولاً: من الفشل الهيكلي إلى الفرصة التشريعية
تجربة اللامركزية السابقة كانت اختبارًا صعبًا لم يُكتب له النجاح ، ليس بسبب ضعف الفكرة ، بل بسبب غياب التشريع الفاعل ، و تداخل الصلاحيات ، و هشاشة الكفاءة ، و انعدام أدوات المساءلة .
فكانت النتيجة :
مجلس بلا أدوات ، و مواطن بلا أمل ، و تنمية بلا عدالة , فنحن اليوم ، نحن أمام قانون جديد ، يجب ألا يكون نسخة معدلة من القديم ، بل نقلة نوعية تُنهي منطق
" البلدية = خدمات " , و تؤسس لمفهوم " البلدية = حكم محلي "
-------------------------------------------------------------------------
? ثانيًا: مقترح شبابي عملي... من الورق إلى الميدان
طرح الشباب ورقة تفصيلية بعنوان :
) آلية قبول الترشح لأعضاء المجالس البلدية بناء على المؤهلات العلمية، و تخصيص كوتا مهنية داخل المجلس)
وهو تصور يدعو لتشكيل مجالس بلدية قائمة على الكفاءة والتخصص لا المحاصصة و الوجاهة
المجلس البلدي المقترح
✅ الرئيس
بكالوريوس هندسة مدنية + خبرة لا تقل عن 10 سنوات ، موثقة من نقابة المهندسين أصوليا
✅ كوتا تخصصية إلزامية (5 أعضاء)
1. مهندس طرق أو مساحة
2. مهندس إنشائي أو معماري
3. مهندس كهرباء أو طاقة متجددة
4. قانوني
5. مالي أو مصرفي
✅ (4) أعضاء إضافيين
من المجتمع المحلي حسب الخصوصية الجغرافية والوظيفية
? المدة
دورة المجلس : 6 سنوات
يمثل تمديد ولاية المجالس المحلية إلى 6 سنوات بدلًا من 4 خطوة مهمة نحو تعزيز الاستقرار الإداري والتنموي , هذه المدة تتيح للمجالس تنفيذ مشاريع طويلة الأمد بفعالية ، و تقلل من التغييرات الإدارية المتكررة ، ما يعزز الإنجاز و استمرارية الخطط , على أن يرتبط ذلك بأنظمة رقابية تضمن الشفافية و المساءلة
-------------------------------------------------------------------------
? ثالثًا: العدالة لا التجميل – تمثيل حقيقي لا شكلي
- ضمان التمثيل الشبابي
يتطلب القانون الجديد تضمين مادة تنص على تخصيص نسبة إلزامية من المقاعد للشباب (دون سن 35 عامًا) في المجالس المحلية ، لضمان وجودهم في مواقع صنع القرار
- مجالس شبابية استشارية
يُقترح إنشاء مجالس شبابية استشارية ترتبط بالبلديات و المحافظات ، تُعنى بتقديم مقترحات واقعية حول السياسات المحلية، و تُشارك في صياغة أولويات التنمية
- تمويل مبادرات الشباب
إلزام البلديات بتخصيص نسبة من موازناتها لدعم مشاريع يقودها الشباب ، و بما يسهم في معالجة التحديات المجتمعية بطرق مبتكرة ومستدامة
- برامج تأهيل و قيادة
يجب تضمين بند في القانون يُلزم البلديات بتنظيم برامج تدريب و تأهيل دوري تستهدف الشباب ، لتطوير مهاراتهم في القيادة و الإدارة المحلية
-------------------------------------------------------------------------
رابعًا : توجيه الموارد بكفاءة — نزاهة ومساءلة لا تجميل إداري
تتطلب المرحلة القادمة إصلاحًا إداريًا شاملاً يعزز من كفاءة البلديات ، و يحقق التوازن بين التمكين التنفيذي و الرقابة ، بما يخدم التنمية المستدامة و يعزز ثقة المواطن بالدولة .
? توحيد الهياكل التنظيمية
توحيد البنية التنظيمية للبلديات أمر أساسي لضمان انسجام المهام و تكافؤ الفرص و توزيع الموارد بعدالة بين مختلف المناطق، بعيدًا عن التعاميم الإدارية المتضاربة
? آلية دعم حكومي عادلة
يتطلب الواقع اعتماد آلية شفافة لتوزيع الدعم الحكومي ، تأخذ في الاعتبار التفاوت الجغرافي و الكثافة السكانية لضمان عدالة التنمية بين المحافظات
? تنظيم إقليمي أسرع
يقترح إنشاء مجالس تنظيم عليا على مستوى الأقاليم لتسريع اتخاذ القرارات المتعلقة بالمشاريع، وتقليل الاعتماد على المركز، بما يختصر الزمن ويقلل البيروقراطية
? شفافية العطاءات
تقتضي النزاهة إشراك أعضاء المجالس في لجان الشراء لضمان رقابة مباشرة على المناقصات، بما يحقق العدالة و المعايير المهنية في التنفيذ
? متابعة ميدانية للمشاريع
تمكين الأعضاء من متابعة التنفيذ ميدانيًا يعزز الالتزام بالجداول الزمنية و يرفع مستوى جودة المشاريع
? وقف تدوير المخصصات
يجب سن تشريعات تمنع تدوير المخصصات غير المصروفة في نهاية العام ، و تتيح إعادة توجيهها إلى مشاريع تنموية بدلًا من إرجاعها إلى الخزينة
______________
خامسا : دور المدير التنفيذي و تفعيله
المدير التنفيذي هو العمود الفقري في الإدارة اليومية للبلديات ، و المسؤول المباشر عن تنفيذ قرارات المجلس ومتابعة العمل الفني و الإداري , و لضمان فاعلية هذا الدور، يُوصى بما يلي :
- الاستقلالية في التعيين
يتم تعيينه من قبل جهة مركزية أو لجنة مختصة في وزارة الإدارة المحلية ، لضمان الحياد المهني
- مدة تعاقد واضحة
تحديد مدة التعيين بعقد قابل للتجديد ، على أن يرتبط تقييم الأداء بمؤشرات مهنية دقيقة
- امتيازات وعلاوات محفّزة
منح المدير التنفيذي حقوقًا مالية تنافسية ، تشمل علاوات إنتاج وأداء ، لتعزيز البيئة المهنية
- تعزيز الاستقلالية والمسؤولية
تمكينه من اتخاذ قرارات إدارية ضمن القانون، مع ربطها بأنظمة رقابية دقيقة تضمن الشفافية
إن تفعيل هذا الدور وفق المعايير أعلاه يرفع من كفاءة الأداء البلدي ، و يُسرّع الإنجاز ، و يخلق نموذجًا إداريًا قادرًا على الاستجابة الفورية لاحتياجات المجتمع
______________
سادسا : موظفو البلديات – أساس الخدمة وعدالة الحقوق
يشكّل موظفو البلديات العمود الفقري للعمل الميداني ، رغم ما يواجهونه من غبن وظيفي مقارنة بموظفي الدولة ، مما يؤثر على كفاءتهم واستقرارهم .
مطالبهم تتلخص في مكافأة نهاية خدمة مستقلة ، إجازة السبت ، علاوة 50% ، مكافأة ثابتة 60 دينارًا ، تثبيت العمال ، تعديل الرواتب ، علاوات فنية و بدلات عدوى و اقتناء ، و شمول أبنائهم بمكرمة التعليم .
تلبية هذه المطالب ليست فقط حقًا مشروعًا، بل ضرورة لإصلاح شامل يرفع جودة الأداء ويضمن استدامة الخدمات البلدية .
--------------------------------------------------------------------
خاتمة : قانون ينبع من الناس , لا يُفرض من الأعلى
هذا الطرح ليس بيانًا رسميًا ، بل رؤية شاب أردني يؤمن بأن البلدية ليست مجرد إدارة ، بل منطلق لمواطن فاعل ، و دولة عادلة ، و ديمقراطية تُمارس كل يوم , فإما أن نصوغ هذا القانون كعقد اجتماعي حقيقي ، أو نعيد إنتاج الفشل تحت شعار ( تحديث بلا أدوات )
فالإدارة المحلية ليست خدمات فقط , بل مستقبل وطن
-------------------------------------------------------------------------
الفرصة الآن , و الوقت لا ينتظر
نعيش لحظة وطنية نادرة ، إما أن نكتب قانونًا يعكس صوت الشارع ، و وعي الشباب ، واحتياجات المحافظات ، أو نعود لتشريعات عاجزة مغلّفة بالكلمات , فهذا القانون يجب أن يكون عقد ثقة حقيقي ، يولد من الميدان ، و يُصاغ بأفكار المجالس ، و مقترحات الشباب ، و رؤى المجتمع , فالبلديات ليست مجرد مبانٍ وأرقام ، بل خط الدفاع الأول عن كرامة المواطن ، و مقياس فعلي لصدق الدولة
و الشباب ليسوا زينة المجالس ، بل روحها المحرّك , و من يغفل هذه الحقيقة ، يفقد بصره السياسي , و من يتعمّد تجاهلها ، يفقد شرعيته أمام الناس .
----------------------------------------------------------
❓ والسؤال الذي يجب أن نواجهه بشجاعة
هل نملك الجرأة لنُطلق قانونًا يولد من الناس , لأجل الناس؟
أم سنكتفي بالهروب نحو نسخةٍ أخرى من الفشل , و نحمّل الأجيال القادمة كلفة التردد
!!!