أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مختارة تبليغات قضائية مقالات أسرار ومجالس مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة جامعات دين مغاربيات خليجيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

عبدالهادي راجي يكتب: بلا ولا شي بحبك


عبدالهادي راجي المجالي
abdelhadi18@yahoo.com

عبدالهادي راجي يكتب: بلا ولا شي بحبك

مدار الساعة ـ
.... بلا ولاشي.. بحبك، تلك أغنية زياد الرحباني التي كتبها لزوجته (كارمن لبس)... وغناها، صارت فيما بعد قصة وليست أغنية.
بلا ولاشي بحبك
ولا في بهالحب مصاري
ولا ممكن فيه ليرات
ولا ممكن فيه أراضي
ولا في مجوهرات
تعي نئعد بالفي
مش لحدا هالفي
حبيني وفكري شوي.
بلا ولاشي بحبك.
...أنبل أنواع الحب، حين ترى في وجه الحبيبة البلد، حين ترى مسقط رأسك، وصوت أمك، حنفية الماء على باب الدار، ذكريات الصبا، حنين الجدة، سطح منزلكم الذي اختاره الحمام مهبطا، دالية العنب، صوت ينادي على محمود..ولا تعرف من هو محمود ومن المنادي..لكن منذ (45) عاما ما زال يعشش في رأسي.
هل شاهد زياد كل ذلك في وجه كارمن؟..
أنا لا أعرف حقيقة ماذا شاهد، ولكن ما أعرفه أنه أحبها.. لبنان كل يوم يصفع العالم العربي صفعة جديدة، حتى الموت فيه له طعم خاص، يشتهيه العرب، والحب فيه معركة وليس قصة.
اصفعنا مرة أخرى أيها الوطن الحاني الصغير، لقد ودعت رجلاً كان بحجم بيروت بكل صخبها ووجعها، بكل تناقضاتها وجموحها.. الكل أمام نعش زياد كان صغيرا إلا زياد كان هو الكبير وحده حتى في الموت... وفيروز جلست في الزاوية، وقد مر عليها رجالات لبنان كلهم، وانحنوا أمام الثوب الأسود واللحن، انحنوا أمام أنفها الذي ظل مرفوعا، هو الأنف الوحيد الذي يأتيه الهواء لكي يتطهر بملامسته، أنف فيروز كان كذلك في الجنازة، أنوفنا وحدها يا فيروز من لوثت الهواء... إلا أنفك وحده من عمد الهواء العربي.
اصفع العالم العربي مرة أخرى يا لبنان، علمهم أن الإبداع ليس سلعة تباع وتشترى في أروقة وزارات الثقافة، علمهم يا لبنان أن المبادئ: لا تقاس بحسب مصالح الحكومات، وأن الأغنية لا تنطلق إن لم تجد ممولا... علم عالمنا العربي، أن لا فارق بين البندقية والبزق، لأن زياد حول البزق في لحظة، إلى حالة تتسيد الأوركسترا..أصلا ماذا يصدر لبنان للعالم ؟ أنا لا أعرف من صادراته شيئا.. لكني متأكد أنه لا يصدر المرسيدس، ولايصدر مكونات الهاتف المحمول، ولا محركات الدفع للصواريخ..هو صدر (البزق)، لقد انهزم كل العرب أمامه في نظرية الإستيراد والتصدير..هو اعتمد على ميزان الحب - وهل يوجد في العالم دولة تصدر الحب بحجم ما يصدر لبنان - ...يكفي أنه صدر وتر (البزق) لنا، في حين أننا صدرنا له الخذلان.
اصفع عالمنا العربي مرة أخرى يا لبنان، علمهم معنى أن يكون للمبدع مساحة في دستور الوطن، زياد لم يكن جسدا مسجى ينتظر التراب مستقرا أخيرا، كان المادة السادسة في الدستور اللبناني التي نصت على أن زياد هو: اللغة الرسمية للبنان.. وكان أجمل لغة في الأرض، لو خيرت لجعلت في مناهج اللغة العربية فصلا يسمى زياد، يتعلم فيه الطلبة كي ينعطف حرف الباء في حديث زياد مع الحب، وكيف يطارح حرف النون على لسانه الإشتياق، وكيف تتمرد اللغة في حديثه وتحطم جدران القلب.
أصفعنا يا لبنان مرة أخرى، أخبرنا كيف يكون المبدع في بيروت أعلى قامة من الوزير، أكبر من الطائفة.. ولايهزم إن قصفوه، لا يتراجع إن أقاموا عليه ألف حصار، علمنا كيف يكون فوق السفارات كلها، فوق المفاوضات والوسطاء..
علمنا كيف يكون المبدع، ضميرا للأمة... وبحرا يغازل بيروت في صباحات تشرين، فتبدو المباني فيها كأنها الزغب الذي انتصب على جيد صبية بفعل لسعة الريح.
اصفع عالمنا العربي يا لبنان مرة أخرى، أترى هل أفقنا من صفعاتك؟ أيها الحاني، أيها الوسيم والجميل، أيها السكر في قهوتنا، والدفء في السرير، والنخلة الشامخة على باب الدار، والمقلة...أنت لست وطنا، أنت نجما من حواف الجنة هوى إلى الأرض كي يعلم البشرية، معنى الحب ومعنى السلام...لا تكفروني أرجوكم، إن أفصحت لكم باعتقاد حملته في ذهني ألف عام وهو: أن مريم المجدلية أثناء حملها في السيد المسيح مرت يوما من شاطئ بيروت وباركت الشاطئ والمدينة.
اصفعنا يا لبنان، دع الدوائر الرسمية في عالمنا العربي تتعلم منك معنى المبدع.. دع أروقة المكاتب التي تصدر القرارات تتعلم منك أيضا، بأن زياد كان قرارا في لبنان، أكبر من قرارات رئاسة الجمهورية وأكبر من قرارات الحكومة، دع المكاتب الرسمية الفاخرة تتعلم منك يا لبنان، بأن الانتماء للوطن لايكون بمسيرة ولا برفع علم، ولا بكتابة مقال...الإنتماء للوطن يكون بأن تنثر جنونك على ترابه بكلمات أغنية كتبت بالدمع والدم، وأظن أن زياد حين كتب : ( بلا ولاشي) كتبها بالدم والدمع.. واللحن كان فيها صوت البحر، وصوت بيروت، وصوت كل حر في عالمنا العربي يشتاق لوجه الحبيبة من خلف قضبان المنفى أو المعتقل.
خذني يا لبنان إليك، أريد (منئوشة) من أفرانك في الصباحات العذية، (منئوشة) واحدة تكفيني، وكأس شاي تكفي أيضا، وعلمني أنا الذي سجن بحروفه وتاهت به الأمنيات، علمني كيف أكون عربيا، علمني طريقة تحليق النورس، علمني صعود الجبل وضرب الوتر.. وعلمني كيف يولد العشق مثل ثورة على حواف المقاهي في (جونيه)...
بحربك أتعبتنا يا لبنان، وحين يغادر قادتك تتعبنا أيضا، حتى الدم حين ينزف فيك أشعر أن الزيتون في عالمنا العربي ينزف أيضا زيتا مع دمك، كي يواسي ترابك...بفيروزك تتعبنا، بموت زياد تتعبنا...هل أنت وطن، أم أغلال من الورد واللؤلؤ..هل أنت أسطورة الشرق، أم وجعه ؟..قل لي من أنت يا لبنان.
وبلا ولاشي بحبك.. ومازال صوت محمود يعشش في ذهني منذ (45) عاما.
مدار الساعة ـ
story