عندما أفكر في مسيرة جلالة الملك عبدالله الثاني، أشعر أنني أمام شخصية استثنائية تتخطى حدود السياسة التقليدية إلى أفق أعمق من ذلك بكثير. هو ليس فقط زعيمًا، بل عقلٌ نابض وفكرٌ متزن استطاع بحكمته وذكائه أن يُبقي الأردن صامدًا في خضم عواصف لا تهدأ. أجد في تعامله مع التحديات ما يشبه فن الإمساك بخيط رفيع لا يحتمل أي هزة قوية، ومع ذلك يمشي عليه بثقة وهدوء لا يفقدهما أبدًا.
بالنسبة لي، لا يمكن فصل إنجازات الأردن عن هذا الذكاء الملكي الذي يعكس فهمًا عميقًا لتوازنات الواقع، واستشرافًا نادرًا للمستقبل. هو الذي أدرك منذ البداية أن الحفاظ على الاستقرار الداخلي ليس خيارًا عابرًا، بل ضرورة وجودية، فعمل على بناء جسور بين الناس، وفهم جيدًا أن قوة الدولة لا تقاس بالقوة العسكرية فقط، بل بصلابة نسيجها الاجتماعي وقدرتها على مواجهة الصعاب معًا.
أُعجب كثيرًا بقدرته على ضبط النفس في مواجهة العواصف الإقليمية التي كانت تُهدد بلده من كل جانب. لا يتصرف بعاطفة، ولا يستجيب للاستفزازات، بل يختار بحكمة متناهية متى يتكلم ومتى يصمت. هذا الصبر الكبير هو ما جعل الأردن يستمر كرمز للاستقرار في منطقة تتلاطم أمواجها بين نزاعات مستمرة ومصالح متشابكة.
وللملك عبدالله أيضًا دور لا يمكن إنكاره في دعم القضية الفلسطينية، ليس بالكلام فقط، بل بالفعل والتضحيات. أراه يحتضن قضية فلسطين كجزء من هويته، ومن هوية وطنه، ويعمل بلا كلل ليجعل الأردن مركز ثقل في محيط إقليمي مضطرب، مقدّمًا نموذجًا للقيادة الحكيمة التي تحمي الأوطان دون أن تغلق الأبواب أمام السلام والحوار.
أشعر أن إنجازاته ليست مجرد نتائج لحظية، بل هي صبر طويل، وفهم عميق لما يتطلبه بناء دولة توازن بين التحديات والفرص. في كل مرة أراجع فيها هذه المسيرة، أتذكر أن القوة الحقيقية ليست في فرض السيطرة، بل في القدرة على الصمود بهدوء، وعلى قراءة الزمن وفهمه بما يكفي لاتخاذ القرار الصحيح في اللحظة المناسبة.
في نظري، الملك عبدالله الثاني ليس مجرد حاكم، بل هو المعادل الحقيقي لما يعنيه أن تكون قائداً في زمن صعب؛ قائد يعرف كيف يحافظ على وطنه ويفتح له آفاق الأمل، دون أن يضحي بثباته أو مبادئه. وهذا بالنسبة لي هو أعظم إنجاز يمكن أن يحققه أي زعيم في العالم.