أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة جامعات دين مغاربيات خليجيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

الطراونة تكتب: قراءة نقدية في بدائل العقوبات السالبة للحرية في القانون الأردني.. بين النص والتطبيق


ترتيل محمد الطراونه
باحثه قانونية في جامعة مؤتة

الطراونة تكتب: قراءة نقدية في بدائل العقوبات السالبة للحرية في القانون الأردني.. بين النص والتطبيق

ترتيل محمد الطراونه
ترتيل محمد الطراونه
باحثه قانونية في جامعة مؤتة
مدار الساعة ـ
تُظهر التعديلات الأخيرة على قانون العقوبات الأردني بشأن بدائل العقوبات السالبة للحرية تحولًا جوهريًا في السياسة العقابية، يعكس إدراكًا متناميًا بأن العقوبة السالبة للحرية ليست دائمًا الوسيلة الأكثر فاعلية لتحقيق الردع العام والخاص. هذه الخطوة تأتي في سياق عالمي يشهد إعادة تقييم لدور السجون، خصوصًا في الجرائم البسيطة وغير العنيفة، حيث تتزايد الدعوات نحو عقوبات بديلة تحقق غايات الإصلاح وإعادة التأهيل.
من منظور قانوني، يُثنى على المشرّع الأردني لأنه منح المحاكم صلاحية أوسع لتقدير ملاءمة هذه البدائل، سواء عند إصدار الحكم أو بعد اكتسابه الدرجة القطعية. هذا التوسع في السلطة التقديرية يُعد انسجامًا مع مبادئ العدالة التصالحية التي تعترف بحقوق الضحايا وتمنح الجاني فرصة إصلاح سلوكه ضمن بيئته الطبيعية. كما أن النصوص الجديدة التي تشترط تقارير اجتماعية قبل اتخاذ القرار تعزز مبدأ الملاءمة بين العقوبة وظروف الجريمة والجاني.
ورغم الإيجابيات، هناك بعض الملاحظات الجوهرية:
1. الاستثناءات الواسعة: استثناء جرائم عديدة، مثل المخدرات والجرائم الاقتصادية المعينة، قد يقلل من أثر هذه البدائل، خاصة أن بعض هذه القضايا يمكن أن تستفيد من برامج إصلاحية بدل السجن.
2. آليات التنفيذ: فعالية هذه البدائل مرهونة بمدى جاهزية الأجهزة التنفيذية، مثل وحدات المراقبة الإلكترونية وأجهزة الإشراف على الخدمة المجتمعية، وهو ما يتطلب موارد مالية وبشرية كافية.
3. ضمانات المحكوم عليه: منح المحكوم الحق في الطعن بقرارات رفض استبدال العقوبة خطوة إيجابية، لكنها تحتاج إلى إطار زمني واضح لضمان سرعة الفصل.
من الناحية المقارنة، نجد أن العديد من الدول الأوروبية تطبق بدائل مشابهة منذ عقود، مثل المراقبة الإلكترونية والعمل للمصلحة العامة، وقد أثبتت الدراسات هناك أن هذه البدائل تخفض معدلات العود إلى الجريمة وتقلل من تكاليف النظام العقابي. كما أن “قواعد طوكيو” للأمم المتحدة تشجع على اعتماد هذه البدائل كجزء من التوجه العالمي نحو عدالة أكثر إنسانية.
توصياتي كتعليق قانوني على هذه التعديلات تتلخص في:
• توسيع نطاق الجرائم المشمولة بالبدائل لتشمل جرائم اقتصادية واجتماعية معينة.
• وضع خطة وطنية لتدريب القضاة والمدعين العامين على تطبيق هذه البدائل.
• إنشاء نظام متابعة وتقييم دوري لقياس أثر هذه العقوبات على معدلات الجريمة وإعادة الإدماج.
• تعزيز الوعي المجتمعي بدور هذه البدائل لضمان قبولها الاجتماعي وعدم النظر إليها كتنازل عن العدالة.
خلاصة القول، التعديلات الأردنية الأخيرة تُعد خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها ليست نهاية الطريق، بل بداية لمسار إصلاحي يحتاج إلى متابعة دقيقة، تطوير تشريعي مستمر، وضمانات عملية حتى تتحقق الغايات المزدوجة للعدالة الجنائية: الردع والإصلاح معًا.
مدار الساعة ـ
story