(صُنّاع الأثر)
كيف نصنع الطالب المؤثّر في زمن الشاشات؟
في زمنٍ تتزاحم فيه المنصّات، وتتدفّق الصور والمقاطع والكلمات بلا انقطاع، يعيش الطالب العربي والمسلم في قلب عالمٍ رقميّ لا يرحم، يُغريه بالمتعة السريعة، ويُغرقه في دوّامة من الاستهلاك المفرِط للمحتوى.
ومع كل نقرة، وإعجاب، ومشاركة، يتشكّل وعيه شيئًا فشيئًا، ويُصاغ وجدانه من خلف الشاشات أكثر مما يُصاغ في ساحات المدرسة أو دفء جلسات الأسرة.
وأمام هذا الواقع المتشابك، تتكوّن ملامح الشخصية، وتُبنى القيم والمواقف.
_ فهل نقف متفرّجين؟
_ هل قُدِّر للطالب أن يبقى مجرد "مستهلك رقميّ" سلبي؟
_ أم أنّنا قادرون على أن نصنع منه "منتجًا أخلاقيًا"، يُسهِم في بناء الفضاء الرقميّ، لا في استهلاكه فقط؟
من هنا يبدأ التحوّل المنشود...
من التمرير إلى التأثير: وعي قبل الإنتاج
التحوّل لا يبدأ بالحماس، بل بالوعي.
ولا يمكن أن ننتقل من الاستهلاك إلى الإنتاج ما لم نُدرِك طبيعة المحتوى الذي نتلقّاه، ونتعلّم كيف نمارس مهارات التفكير النقدي تجاهه.
وهنا يأتي دور المدرسة في ترسيخ مهارات "التربية الإعلامية والرقمية" (Digital Literacy)، ليُدرِك الطالب كيف يفرّق بين المحتوى الهادف والمُضلِّل، وبين ما يبني فكره وما يهدمه، وما يُرضي الله وما يُغضبه.
ولكي تنجح هذه التربية، لا بد أن تتحوّل إلى منهجٍ مستدام يُغرس منذ المراحل الأولى، ويُدمج في المقررات والأنشطة الصفيّة، لا أن يُترك لمبادرات موسميّة.
أخلاقنا تُهاجر معنا: القيم في الفضاء الأزرق
الطالب المسلم ليس مجرد مستخدمٍ عابر للإنترنت، بل هو سفيرٌ لهويته وقيمه، حتى في تغريداته ومنشوراته وتعليقاته.
علينا أن نعلّمه كيف ينقل الرحمة، والصدق، والعدل، والنبل من العالم الواقعي إلى العالم الرقميّ، وأن يسأل نفسه دائمًا:
_ ماذا أقول؟
_ لماذا أنشر؟
_ وما الأثر الذي سأتركه؟
قال رسول الله ﷺ:
"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت."
فكيف إذا كان هذا "القول" منشورًا يراه الآلاف، وقد يُخلّد في أرشيف الإنترنت إلى أمدٍ بعيد؟
القيم الرقميّة التي يجب غرسها:
✅ الأمانة في النقل
✅ احترام الخصوصية
✅ المسؤولية في التعبير
✅ التسامح مع المخالف
✅ الرفق في الجدل
✅ حسن الظن
خارطة طريق: من التنظير إلى التفعيل
لن نصنع الطالب المؤثّر إلا إذا تكاملت الجهود:
الأسرة + المدرسة + المسجد + المنصة + الإعلام + القدوة
? دليل المربي لصناعة الطالب المنتج القيميّ:
المجال الإجراء المقترح
التّربية الرقميّة إدماج "التفكير النقدي الرقميّ" كمادة ونشاط دائم
القدوة الرقميّة تعزيز وجود نماذج ملهمة من معلّمين ومؤثّرين ذوي مبادئ
الإنتاج الطلابي تخصيص حصص أسبوعية للكتابة، والتصوير، والتصميم
التقييم القيميّ إدراج "السلوك الرقمي" في تقويم الطالب التربوي
شراكة الأهل تقديم ورش توعوية لأولياء الأمور حول البيئة الرقميّة
التحصين الشرعي ربط النشر الإلكتروني بمقاصد الشريعة والقيم العليا
البيئة أولًا: دعه يُعبّر وينتج
الطالب لا يُنتج في الفراغ.
ولكي نطالبه بالإبداع، لا بد أن نوفر له بيئة حاضنة تُشجّع على التعبير القيميّ.
ماذا نحتاج؟
? منصات رقميّة مدرسية
? نوادٍ إعلامية
? مسابقات إنتاج رقميّ
? معارض للمحتوى القيميّ
ولْنُشرك الطلاب في تصميم هذه البيئات، ليشعروا بالتمكين والانتماء.
حينها يتحوّل المحتوى القيميّ من مجرد خيار... إلى ثقافة يومية.
التمكين الرقميّ: أدوات الإنتاج بيد الطالب
التحفيز لا يكفي... لا بد من التمكين العملي.
فلنُعلّم أبناءنا أدوات الإنتاج الرقميّ: من تحرير الصور والفيديو، إلى إدارة المدونات، وكتابة المحتوى المؤثر.
أمثلة على أدوات مجانية وسهلة:
? Canva: لتصميم منشورات تعليمية وقيمية
? CapCut / InShot: لتحرير فيديوهات قصيرة هادفة
? Anchor / Spotify for Podcasters: لإنشاء بودكاست طلابي
? WordPress / Blogger: لنشر الأفكار والمقالات
لم يعد العصر عصر الورقة والقلم فقط،
بل عصر الريلز، والبودكاست، والتفاعل الذكي.
وإن لم نُدرّب الطالب على أدوات عصره، فسيظل على هامش التأثير.
المؤثّر القيميّ: الإيمان والإبداع في شخصية واحدة
في فضاءٍ يفيض بـ"المؤثّرين"، نحن بحاجة إلى من يُدعى بحق: "المؤثّر القيميّ"،
ذاك الذي يجمع بين المبدأ والتأثير، وبين الإبداع والأخلاق.
خطوات عملية:
? لنعرف طلابنا بنماذج حيّة لمؤثرين عرب ومسلمين حافظوا على قيمهم رغم شهرتهم.
? وليكن المعلم نفسه قدوة رقميّة، حين يقدّم محتوى تربويًا راقيًا، ويتفاعل مع طلابه بوعي ورقيّ.
✨ لنكتب بالكلمة الطيبة مستقبلًا رقميًّا مشرقًا
نحن لا نربّي أبناءنا ليكونوا ناجحين في امتحاناتهم فقط،
بل نربّيهم ليكونوا مشاعل نور في زمن الظلمة الرقميّة،
صُنّاعًا للكلمة الطيبة، لا مكرّرين للكلام الفارغ،
مؤثّرين في الفضاء الرقميّ كما هم في الواقع.
فلنمدّ أيديهم إلى لوحة المفاتيح،
لا ليضيعوا أعمارهم، بل ليكتبوا ما يُرضي الله، ويرفع أمتهم،
ويثبت هويتهم في عالم يُراد لهم أن يذوبوا فيه.
قال تعالى :
"واجعل لي لسانَ صدقٍ في الآخرين" سورة الشعراء: 84
? يا أبنائي...
لا ترثوا منّا هواتف ذكية فقط،
بل رسالة، وحُلمًا، وهمًّا، وقيمًا.
اجعلوا منشوراتكم دعوة،
وتعليقاتكم صدقة،
وصوركم بوصلة لمن لا يعرف الطريق.
ولتكن لكم بصمة... لا مجرّد "إعجاب".