جيلٌ وصل إلى القمر.. وهو لا يُجيد شحن الهاتف.أمي لا تُحب الهواتف التي تعمل باللمس.
تقول إن الشاشة تخونها، وإن إصبعها لا يُجيد التفاهم مع الزجاج.
هي لا تثق بشيء لا يُصدر صوتًا عند الضغط عليه، ولا تطمئن لرسالة لا تراها تُكتب حرفًا حرفًا أمام عينيها.
أمي تُحب الهواتف ذات الكبسات البارزة، التي تُحدِث "نقراً" حقيقيًا حين تضغطها، كأنها تُحادثك لا عبر إشارة... بل عبر نَبض.
هي لا تبحث عن ذكاء الجهاز،
بل عن صدقه.
**ذلك الجيل لا يُريد هواتف تلمسها...
بل أشخاصًا *يشعرون بها*.
ولا أستعجب من رأي كاتبة ساخرة مشهورة لفتت النظر إلى هذه الحالة،
التي نراها كل يوم، ولم نُحلّلها أو نُفكّر يومًا بعمق ما فيها.
فقد قرأت للكاتبة الساخرة تاتيانا ألكسيفا ذات مرة:
"أمي كلما انتهى شحن الموبايل تظن أنه تعطل، وأبي يحمل في جيبه دفترًا يسجّل فيه أرقام الهواتف، وعمتي تستعمل فلاش الهاتف كي تضيء به ساعتها عندما تريد معرفة الوقت."
ثم تساءلت بخفة ظلّ تخفي شيئًا من الحيرة:
*كيف استطاع جيلهم الوصول إلى القمر؟*
سؤال يبدو ساخرًا في ظاهره، لكنه عميق جدًا في باطنه.
فمن السهل أن نبتسم لارتباكهم أمام الشاشة، لكن من الصعب أن نُعيد بناء صبرهم أمام الحياة.
*جيلٌ لا يُجيد التطبيقات... لكنه أتقن الحياة*
جيل آبائنا الذي تخطئه أصابعه في ضغط الزر، هو نفسه الذي بنى المدارس والمستشفيات بالحجر والإيمان، هو الذي حفظ أرقام الهواتف عن ظهر قلب، لأنه كان يحفظ العهود كذلك.
أمهاتنا اللواتي لا يُفرّقن بين "إعادة التشغيل" و"إعادة الشحن"،
هنّ من أدرن البيوت بلا كهرباء،
وأعددن الطعام من الطابون لا من تطبيق "الدليفري"،
وقلنَ لنا الوقت من ظلّ الشمس، لا من إشعاع الشاشة.
وآباؤنا الذين يسجّلون الأرقام في دفاتر مطوية، قرأوا الصحف من الصفحة الأولى حتى صفحة الوفيات، وكانوا يعرفون متى يتصلون، ومتى يزورون، ومتى يصمتون.
وعمّاتنا اللواتي يُضيئن ساعاتهنّ بفلاش الهاتف، عشن زمنًا كانت فيه الساعات تُهدى في الخطوبة، ويُورث معها الحنين... لا الشاحن.
*لم يعرفوا الإنترنت... لكنهم عرفوا الطريق*
جيلهم لم يكن يعرف شيئًا عن "جوجل"، لكنه كان يعرف الطريق إلى الحقيقة.
لم يستخدموا "GPS"، لكنهم لم يَضِيعوا.
لم يرسلوا رسائل صوتية،
لكنهم قالوا الكلمة… فاستقرت في القلب كما لو كُتبت عليه.
لم يحملوا هواتف ذكية،
لكنهم حملونا على أكتافهم،
وبنوا لنا مستقبلًا نحمله اليوم في جيوبنا.
*لا تضحك على من لم يُجِد التقنية... فقد ربّاك*
من السهل أن تبتسم ساخرًا حين ترى والدك يطيل النظر في شاشة مقلوبة،
أو تندهش من والدتك حين تسأل:
"كيف أُعيد تشغيل اليوتيوب؟"
لكن هل تساءلت كم مرة أعادوا تشغيل حياتهم، ليظل بيتك دافئًا، وهاتفك مشحونًا، وقلبك مطمئنًا؟
لا تضحك على من لا يعرف كيف يُثبّت تطبيقًا، فهو من ثبّت فيك القيم.
ولا تبتسم ممن لا يُجيد استخدام "البلوتوث"، فهو من ربط القلوب… دون الحاجة إلى اتصال لاسلكي.
*بيننا وبينهم... مسافة ضوء*
نحن الجيل الذي عرف كيف يطلب كل شيء بلمسة إصبع، لكننا لا نعرف كيف ننتظر. نُجيد تحديث التطبيقات،
ولا نُجيد تحديث قلوبنا على صبر المحبين.
هم لم يصلوا فقط إلى القمر،
بل أوصلونا نحن إلى ما نحن فيه.
ونحن؟
ما زلنا نحاول الوصول إلى بعضنا…
لكننا في الطريق، ننسى أن نشحن الهاتف،
فنُضيّع البوصلة بين شاحنٍ مفقود… وشوقٍ لم يُحدّث منذ زمن.
ننشغل بكل شيء،
وننسى في الزحام… أن نشحن القلب قبل الهاتف