في إدارة الأزمات، ليس كل جدالٍ يستحق الاستغراق فيه، ولا كل مهاترةٍ جديرةٌ بالرد عليها. فالتجاوز عن الصغائر وترك الجدليات العقيمة لا يُعدّ ضعفًا، بل هو قمّة القوة؛ قوة العبور إلى ما بعدها، والانشغال بما هو أهم وأبقى.
الأمم العظيمة لا تقف عند المصطلحات والشعارات، بل تُحلّل المصالح وتوازنها، وتحفظ عظمتها بقدرتها على التعايش والتسامح، لا بمقدار الانتصار اللفظي أو المباشر.
ولنا في رسول الله ﷺ القدوة والأسوة؛ ففي لحظة التوقيع على صلح الحديبية، كتب علي بن أبي طالب رضي الله عنه في نص الوثيقة: "محمد رسول الله". لكن سهيل بن عمرو اعترض قائلًا: "لو كنا نؤمن أنك رسول الله لما قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبدالله". عندها قال النبي الكريم ﷺ كلمته الشهيرة: "امحها يا علي"، ثم شطبها بيده الشريفة.
لم يكن ذلك تنازلًا عن حقيقة الإيمان، بل كان تكتيكًا استراتيجيًا يفتح الطريق أمام عهدٍ جديد، وصلحٍ طويل الأمد، أفضى إلى فتحٍ مبين.
واليوم، نستحضر هذه الدروس العظيمة في مواقف قيادتنا الهاشمية، وعلى رأسها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، وهو يتجاوز عن الطاعنين والمشككين في دور الأردن، ويواصل نهجه الثابت في دعم الأشقاء في غزة هاشم. لم ينشغل جلالته بالمهاترات أو الرد على كل ناقد، بل حمل همّ القضية، وركّز على الجوهر: نصرة المظلوم، وإغاثة الجائع، وبلسمة الجراح.
إنها ذات الحكمة النبوية الخالدة: الترفع عن الصغائر، والانشغال بالكبار. فكما كان "امحها يا علي" بابًا للفتح والنصر، فإن تجاوز قيادتنا الهاشمية عن التشكيك والمزايدات هو عين القوة، وهو ما يضمن للأردن أن يبقى في طليعة المدافعين عن الحق، والمناصرين للأشقاء، والواقفين في صف الإنسانية والعدالة.