ليست الحكايات التي أمرّ بها عابرة، ولا الوجوه التي أقابلها مجرد لقطات في أرشيف الذاكرة.
ثمّة نبضٌ أتتبع أثره في التفاصيل الصغيرة، في نبرة الصوت حين يتكلم البسطاء، في التجاعيد التي تشهد على صبر الأمهات، وفي نظرة العتب الصامتة خلف ملامح امرأة أنهكتها الحياة دون أن تسأل أحدًا عن وجعها.
الإعلام ليس مهنة تُمارس، بل بصيرة تُصقل بالتجربة، ومسؤولية تبدأ من الداخل... من الإحساس الحقيقي بالناس، من الألم الذي لا يُصوَّر، ومن القضايا التي لا تجد لها عنوانًا.
أبحث في كل لقاء عن الجملة التي لم تُقل، عن الصمت الذي يستصرخ أحدًا ليسمعه، عن لحظة صدق تُنقذ الكلمة من التحوّل إلى ضجيج.
ليست الكاميرا هي التي توثّق كل شيء، بل القلب حين يُبصر، والضمير حين لا يساوم.
لذلك، لا أبحث عن سبقٍ صحفي، بل عن أثرٍ إنساني… عن أن أكون مرآة لا تزيّف، وصوتًا لا يُشتَرى.
أن أقول ما يجب، لا ما يُراد.
في كل ما أقدمه، أضع ما يشبه صلاتي الصامتة: أن تصل الكلمة لمن يستحقها، دون أن تُشوَّه، ودون أن تتحول إلى سطر في نشرة تنتهي بعد دقيقة.
تعلمت أن القرب من الحقيقة مؤلم، لكنه الطريق الوحيد للبقاء حيّة في عالم مزدحم بالمجاملات والسطحية.
لذا أكتب، لأمنح القضايا وجوهًا لا تُنسى، وأُعلي الصوت حين يصبح السكوت خيانة.
أسأل كثيرًا، لا لأُحرج، بل لأفهم.
أقسو أحيانًا على النص لأجعله أكثر عدلاً، وأحنّ على الحكاية حتى لا تخونها اللغة.
المهنة التي اخترتها ليست طريقًا مفروشًا بالنجومية، بل دربٌ شائك تمشيه بضميرك في يد، وبقلمك في اليد الأخرى.
وقد لا يصفق لك كثيرون، لكنك تعرف، في داخلك، أنك اخترت أن تكون حيث يجب أن تكون.
الكلمة التي تُكتب بالصدق لا تحتاج دفاعًا، والرسالة التي تخرج من القلب تصل حتى لو لم تباركها العناوين.
وهذا ما أفعله… بكل ما أوتيت من وفاء لما أؤمن به.