في عصرٍ زادَ فيه الحديثُ وقلَّ فيه الفعلُ، يبقى جلالةُ الملكِ عبدُ اللهِ الثاني بنُ الحسينِ رمزًا للثّباتِ عندما تتغيّرُ المواقفُ، ومعلِّمًا للكرامةِ حينَ تضعفُ الأصواتُ.
غزّة، هذه الأرضُ الصغيرةُ التي تُظهِرُ شجاعةَ الشعوبِ، عندما تخلّى عنها العالمُ، بقي الأردنُّ بوّابةً للكرامةِ، وفي قلبِه ملكٌ لا يخذلُ أحدًا، ولا يُغالي، ولا يتردّدُ حينَ يسمعُ نداءَ الواجبِ.
عندما تفاقمَ الظّلمُ في غزّة، كان جلالةُ الملكِ أوّلَ من تصرّفَ، ليس من منظورٍ سياسيّ، بل من إحساسٍ إنسانيّ، ومن عروبةٍ تحملهُ بفخرٍ، ومن هُدى هاشميٍّ توارثهُ عبرَ الأجيالِ.
قوافلُ للإغاثةِ، مستشفياتٌ ميدانيّةٌ، شُحناتٌ من الطعامِ والدّواءِ، جسورٌ إنسانيّةٌ متواصلةٌ، وموقفٌ سياسيٌّ ثابتٌ في جميعِ المنابرِ العالميّةِ.
لم يتنازلْ عن حقوقِ فلسطينَ، ولم يُغيّرْ وجهتَهُ نحو القدسِ، ولم يدعِ الإحباطَ يجدُ طريقَهُ إلى مروءةِ الأردنيينَ.
لأنّ الملوكَ يُقاسونَ بمواقفِهم، لا بألقابِهم، فقد عرفَهُ العالمُ صوتًا ينطقُ بالحقِّ، وضميرًا عربيًّا يتكلّمُ بالعدلِ، لا يردعهُ في سبيلِ اللهِ لومةُ لائمٍ، ولا تُخيفُه الضغوطُ.
قالَها خلالَ المحنةِ:
"لن يقبلَ الأردنُّ بتهجيرِ الفلسطينيِّ من أرضِهِ،
ولن نسمحَ بإلغاءِ هويّةِ القدسِ،
ولن نُغلقَ أبوابَنا أمامَ غزّة،
فهذهِ قضيتُنا، وهذا هو موقفُنا التاريخيّ."
يا سيّدي،
كلّما خذلهمُ العالمُ، كنتَ أنتَ مدافعَهم.
وكلّما غابتِ العدالةُ، كنتَ الميزانَ.
وكلّما أُغلقتِ الأبوابُ، فتحتَ لهم بوابةَ الأردنِّ... ليست مجرّدَ لجوءٍ، بل عزّةً وأخوّةً ومواقفَ لا تُشترى.
جلالةُ الملكِ عبدُ اللهِ الثاني...
لن ينسى التاريخُ أنّ غزّة واقفةٌ، لأنّ في هذا الشرقِ رجلًا يُدعى عبدَ اللهِ، لا يُراوغُ في الحقِّ، ولا يتجزّأُ في الدمِ، ولا يتراجعُ عن مبادئِه، لأنّه ابنُ الحسينِ، ابنُ النّورِ، ابنُ القدسِ، وابنُ تاريخِهِ النبيلِ.
دمتَ لنا فخرًا...
ودامتِ القدسُ وغزّة تحتَ رعايتِك، لا تنحني، ولا تنكسر.